كتب العميد المتقاعد دانيال الحداد في "أخبار اليوم":
بعد مرور نحو ٣٤ عاماً على الحرب الوحشية التي خاضها الجيش السوري ضدّ الجيش اللبناني في ١٣ تشرين ١٩٩٠ بالتعاون مع بعض الفرقاء المحليين، والجرائم البشعة التي ارتكبها جنود الاحتلال السوري بحق جنود الجيش اللبناني، من اعدام وخطف وتعذيب، فاجأني السيد ناهي الهندي شقيق الرقيب أول ناجي الهندي المفقود بالقول في برنامج "صار الوقت" على شاشة الـMtv بتاريخ ١٢/ ١٢/ ٢٠٢٤: "إن المسؤول عن الوحدة التي أسر فيها شقيقه بتاريخ ١٣ /١٠/ ١٩٩٠ هو الرائد دانيال الحداد الذي هرب إلى المونتفردي تاركاً جنوده وعندما سألته عن مصير شقيقي بعد بضعة أشهر قال لي لا أتذكره".
ومع أنني لا ألوم شخصاً مجروحاً على اختفاء شقيقه إذا صدرت عنه بعض الانفعالات، لكن كان عليه الاّ يكذب ويفتري عليّ شخصياً على قاعدة "جحا مش قادر الاّ على خالتو" "وبدي فش خلقي كيف ما كان"، وقد فتشت في كلّ ما قاله عن كلمة صادقة واحدة فلم أعثر عليها.
والآن إليكم الحقيقة كاملة.
في ١٣ تشرين من العام ١٩٩٠، كنت آمر فصيلة مدفعية برتبة ملازم أول وليس برتبة رائد كما قال السيد ناهي، وكان مركزي على سفح دير القلعة مسؤولاً عن أحد المدافع الثقيلة الموجهة الى الجهة المقابلة، وفي صباح ذلك اليوم حوالى السادسة استيقظنا على هجوم جوي وبري سوري على مناطقنا من جميع المحاور وعلى الفور بدأنا التصدي للقوى المهاجمة على محور عاليه - ظهر الوحش عاريا باطلاق ذخائر المدفعية المباشرة، وبعد ساعات من المعركة صدر قرار رئيس الحكومة في حينه العماد ميشال عون بالانضمام الى الجيش بقيادة العماد اميل لحود فأوقفنا رمايات المدفعية، لكننا وجدنا أنفسنا مطوقين من جميع الجهات بعد تسلل الجنود السوريين إلينا عبر الأحراج. بناء على ذلك طلبت التفاوض مع القوة السورية المحيطة بنا لإنقاذ مجموعتي، فحصل ذلك وأبلغت الضابط السوري المسؤول عن قرار الانضمام الى الجيش بقيادة العماد لحود، فأجابني أنه علم بالأمر، وطمأنني بألاّ خوف على حياة عناصر مجموعتي، ثم اتصل الأخير برؤسائه وأبلغهم بأوضاعنا فطلبوا إليه إرسالنا إلى دير القلعة حيث كان يُجمع هناك عسكريو الجيش اللبناني الأسرى من المنطقة "الشرقية"، فوافقت وطلبت إليه أن يبقى مساعدي في المركز وهو الرقيب أول موسى حداد للحفاظ على الأسلحة والذخائر والمعدات، منعاً من سرقتها فوافق معي، ثم انتقلت انا وثلاثة عسكريين هم الرقيب ناجي الهندي، العريف عادل ضومط والجندي خالد خضر، وبوصولنا الى هناك تم فصلي كضابط عن الجنود ووضعت في باحة الدير، فيما أدخل من كان معي إلى إحدى غرفه.
بعد قليل من الوقت دخلت الى الباحة وحدة عسكرية من اللواء الأول التابعة لقيادة العماد لحود، فقابلت ضباط الوحدة وشرحت لهم ما حصل، فقالوا لي سنبحث في الأمر مع قائد القوات السورية هنا لاطلاق سراحكم وعودتكم الى وحداتكم الأصلية.
مرّت ساعتان، وعاد الرائد علي جانبيه من اللواء الأول إلي وقال لي ستلتحق أنت بوحدتنا، لكنني سألته عن رفاقي الجنود فقال سيتم اطلاق سراحهم لاحقاً والحاقهم بوحداتهم جميعاً.
بعد بعض الوقت، جيء بالملازم أول طانيوس زغيب وعدد من العسكريين برفقته، فتقابل الملازم أول زغيب مع الضباط في اللواء الأول، وعلى ما أذكر طلب كل من الرائد جانبيه والعميد ابراهيم شاهين من الجيش اللبناني، من قائد القوات السورية والذي لا أعرف اسمه، إلحاق الملازم أول زغيب في وحدة الرائد جانبيه لكن لم يلب طلبهما، ووعدهما باطلاق سراحه لاحقاً مع العسكريين كافة.
أصريت على اخلاء سبيل رفاقي العسكريين لكنني لم أنجح في ذلك، واكدوا لي أنه سيتم اطلاق سراح الجميع وألحاقهم بوحداتهم، ولم يكن لدي خيار سوى الالتحاق باللواء الأول الذي انتشر في بلدة بيت مري ومتابعة الاتصالات ليلاً لإطلاق سراح الأسرى.
عند وصولي الى بلدة بيت مري أفدت قائد كتيبتي الـ٨٥ المقدم انطوان عيد بما جرى، فقال لي إنه سيتابع الموضوع مع قيادة الجيش الجديدة.
في مساء ذلك اليوم، وصلت معلومة الى الرائد جانبيه تفيد بأن الملازم أول طانيوس زغيب قد أطلق سراحه مع باقي العسكريين، ففرحنا، وبتنا تلك الليلة على أمل اللقاء بهم صباحاً، لكن وللاسف عند الصباح وجدت الرائد جانبيه متجهماً فسألته ما الأمر؟ فأجابني لم يطلق سراح العسكريين بعد والمعلومة غير صحيحة.
عندها استأذنت منه وقلت له أنني سأقابل قائد الوحدة السورية الخاصة مهما كانت النتيجة، وعلى ما أذكر هو المقدم منصور، فقال لي كما تشاء لكن حذرني من المخاطرة.
توجهت سيراً على الأقدام الى المركز القريب من كنيسة مار ساسين وسألت الضابط السوري المذكور عن العسكريين الأسرى، فأجابني بصوت حازم وهو يحدق بي باستغراب: انهم في التحقيق وسوف يطلق سراحهم لاحقاً، لكنني لم اقتنع، وقلت: أنتم جيش نظامي وعليكم الحفاظ على حياة الأسرى، فقال بالحرف الواحد: هل تعلمنا ماذا نفعل، نحن لا نقتل الأسرى، فشعرت من نظراته بأنه كان يرغب بتوقيفي.
خرجت من المركز وعدت إلى قطعتي الأصلية، لكن نفسي ظلت قلقة على الرفاق وبقيت عيون الضباط والجنود السوريين تلاحقني، فبعد مرور شهرين على الحادث، أوقفني أحد الضباط السوريين على الحاجز السوري في عين سعادة، فأخذ رقم سيارتي وسألني ألم تكن موقوفاً لدينا في دير القلعة؟ فقلت نعم، فهز برأسه وقال أمضِ.
منذ ذلك الحين والشائعات كثيرة حول مصير هؤلاء العسكريين، مرة يقال بأنهم اقتيدوا الى السجون السورية، ومرة أخرى يقال إنهم قتلوا في الليل أو في اليوم التالي انتقاماً لمقتل عدد من العسكريين السوريين، لكن بقي لدي الأمل بأن يكونوا على قيد الحياة، خصوصاً وأنّه من الواجب ألاّ تترك الحكومة والقيادة الجديدة أي جندي من الجيش في الأسر.
في الخلاصة:
- أنا يا سيد ناهي كنت أسيراً لدى الجيش السوري في دير القلعة مثل أخيك تماماً، ولم أهرب إلى المونتفردي كما ادعيت، بل بقيت في مركزي وقاتلت حتى آخر لحظة. وقيادة الجيش تعلم ذلك والشهود بالعشرات، كما أدليت بما حصل حرفياً أمام اللجنة القضائية المكلفة بمتابعة أوضاع الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
- أنا لم أطلب الالتحاق باللواء الأول، بل هم الذين قرروا ذلك، وكان كلّ هدفي الحفاظ على حياة العسكريين، ولم أتوقع للحظة عدم الإفراج عن الرفاق بعد أن سلّم العماد ميشال عون القيادة للعماد أميل لحود، وأنّ مسؤولية الافراج عن الأسرى هي مسؤولية الحكومة والقيادة الجديدة والجيش السوري المفترض أن يحافظ على حياة الأسرى وفق المواثيق الدولية، وليست مسؤولية ملازم أول كان أسيراً وبقي مطارداً من قبل المخابرات السورية، وشاء القدر بصدفة غريبة عجيبة أن يبقى على قيد الحياة.
- أنا لم أدخر جهداً لاطلاق سراح رفاقي، والدليل على ذلك أنني ذهبت كما قلت صباح اليوم التالي إلى المقدم السوري منصور، مغامراً بإحتمال أسري أو قتلي.
- قد سألني أهالي الرفاق لاحقاً عدة مرات، عن مصير أبنائهم ومن بينهم أنت، فقلت الحقيقة بأنني لا أعرف ويجب متابعة الموضوع مع الجهات المختصة، وماذا تريدني أن أقول غير ذلك، فهل أنا الحكومة أو القيادة أو الجيش السوري؟
- تحسدني على عدم الموت أو عدم البقاء في الأسر، وأنا لم أسأل عن حياتي يوماً، فقد نجوت من الموت عشرات المرات في الحروب والمعارك، ولو أردت النجاة بحياتي في ١٣ تشرين لتركت مركزي أنا وجنودي وفررت، فهل أصبح عندها بطلاً برأيك؟
أخيراً، اقول لك بصراحة إن ضميري لا يطاوعني الإدعاء عليك لسبب وحيد وهو أنك جريح على اختفاء شقيقك، لكن أن تتجنى على الناس بالكذب الفاضح والافتراء والتجريح، فهذا أمر خارج عن الضمير والحق والعدالة ولن أقبل استمراره.
طعن في التضحية والحقيقة... أنا كنت أسيراً
الــــــســــــابــــــق
- تلفزيون سوريا عن مدير ميناء طرطوس: الميناء سيستأنف عمله غدا
- بالفيديو: أكبر معتقلة محرّرة... "لا تتركوني"
- وزير الدفاع التركي: أنقرة مستعدة لتقديم تدريب عسكري لسوريا إذا طلبت الإدارة الجديدة ذلك ولا نرى أي مؤشرات على انسحاب روسي كامل من سوريا
- هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر: الأسبوع المقبل حاسم بشأن مفاوضات صفقة التبادل مع حماس
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك