كتب نايف عازار في "نداء الوطن":
يشهد مخيّم جنين، ثاني أكبر مخيّمات الضفة الغربية، معارك ضارية كان يُفترض أن تدور رحاها بين مقاتلين فلسطينيين والجيش الإسرائيلي، بحسب المنطقين الوطني والعسكري. إلّا أن هذه الاشتباكات "حامية الوطيس" نشبت بين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي تنسّق مع السلطات الإسرائيلية، ومقاتلين فلسطينيين يدورون في فلك حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وقد استعر القتال الدامي بين "أهل البيت الفلسطيني الواحد"، بعد مقتل القيادي في "كتيبة جنين" التابعة لـ "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، يزيد جعايصة وعدد من أبناء المخيّم.
وما يزيد من قتامة المشهد في المخيّم الذي يُعدّ "معقل المقاومة التاريخي" في الضفة، الحصار الذي تفرضه أجهزة السلطة على المخيّم المنكوب، متذرّعةً بفرض القانون في حملة أطلقت عليها تسمية "حماية وطن"، وترمي إلى اعتقال من وصفتهم بالخارجين عنه ونزع سلاحهم.
"ذئاب منفردة" متعِبة ومقلِقة!
مما لا شك فيه، أن "طوفان الأقصى" ألهم "المقاتلين المغمورين" في الضفة، خصوصاً أبناء جنين، للتحرّك ضد "القبضة الإسرائيلية الحديدية" الجاثمة على قلوبهم هناك من جهة، ولمحاولة إسناد أبناء وطنهم الممزّق الذين تعرّضوا في قطاع غزة لأفظع أنواع الإبادات الجماعية التي اقترفتها إسرائيل من جهة أخرى.
إلّا أن هذا التحرّك وارتفاع منسوب العمليات الفردية ضد الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً تلك التي تنفذها مجموعات تُعرف بـ "الذئاب المنفردة" ضد إسرائيليين وأهداف إسرائيلية في الضفة والقدس ومدن أخرى، "أتعبت" إسرائيل، كما "أقلقت" في الوقت عينه السلطة الفلسطينية، المتخوّفة من "جنون" الحكومة اليمينية المتطرّفة في تل أبيب، والتي تعتبر أن وجود المسلّحين في مخيّمات الضفة الغربية يُشكل سبباً رئيسياً لاقتحامها من قِبل الجيش الإسرائيلي بحجة القضاء على المقاتلين. كما تعتبر السلطة أن ارتفاع وتيرة "العمل المقاوم" في الضفة تهديد لوجودها، لأن تطور قدرات المقاتلين الفلسطينيين هناك يُضعف النفوذ الأمني للسلطة، التي تتوجّس من تكرار سيناريو غزة في الضفة.
من "الاحتواء" إلى "ضبط السلاح"
وفيما وصف موقع "أكسيوس" العملية العسكرية التي يشنها الأمن الفلسطيني في جنين بالحاسمة بالنسبة إلى مستقبل السلطة، ونقل عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن دافع العملية توجيه رسالة إلى قاطن البيت الأبيض الجديد، مفادها أن السلطة شريك موثوق به، مع ما يرافق هذه الثقة من استمرار للمساعدات الأميركية، اعتبر مدير مركز تطوير الدراسات الباحث الفلسطيني هشام دبسي في حديث لـ "نداء الوطن" أن السلطة تعاطت في السابق بمرونة مع المجموعات المسلّحة التي تواجه إسرائيل، إلّا أنه بعد الحرب المدمّرة على غزة، يريد المجتمع الفلسطيني ألّا تتكرّر هذه التجربة في الضفة، وبالتالي يفترض ألّا تنجرّ إلى نموذج غزة من "العنف والعنف المضاد"، إذ إن الإسرائيلي، يضيف دبسي، يريد جرّ الضفة إلى واقع غزة ثمّ ضم أجزاء منها، وصولاً إلى تهجير الفلسطينيين منها إلى الأردن.
لذلك، يؤكد الباحث الفلسطيني أن السلطة عدّلت سياستها من "الاحتواء" إلى "ضبط السلاح خارج الشرعية الفلسطينية"، فبدأت بطلب تسليم السلاح، كما حصل في نابلس وبعض المخيّمات، لكن في جنين رفض مقاتلو "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تسليم سلاحهم، لأن "حماس"، وفق دبسي، لا تريد الاستجابة لوقف النار بل تريد السيطرة على المخيّم وإعلان ازدواجية سلطة فيه، كما كان قائماً سابقاً في القطاع، وهو أمر حدا برام الله إلى اتخاذ قرار بإنهاء ازدواجية السلطة في مخيّم جنين.
ويختم دبسي بالتأكيد أن هذه الاشتباكات تريح تل أبيب التي تعيش على التناقضات الفلسطينية وتستثمر فيها وتغذّيها، كاشفاً لـ "نداء الوطن" أن الإسرائيليين يبيعون السلاح لـ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بهدف إذكاء "العنف الداخلي"، وبالتالي يُبرّرون حملة التدمير والتهجير.
هجوم "حمساوي" لاذع على السلطة
في المقابل، شنّ مصدر رفيع في "حماس" عبر "نداء الوطن" هجوماً لاذعاً على أجهزة السلطة، معتبراً أن "من يستهدف السلاح المقاوِم في الضفة هو ذاته من يُنسّق مع الاحتلال الإسرائيلي ويُخلي مقرّاته وينسحب من الشوارع، ليُسهّل على المحتلّ قتل أبناء شعبه". ويضيف المصدر "الحمساوي" أن "ما يجري في الضفة، خصوصاً في جنين، يؤكد كذب رواية السلطة ومبرّراتها في شأن الهدف من حصار المخيّم، ويكشف أن هدفها الحقيقي استهداف المقاومة ونزع سلاحها".
ويختم المصدر المسؤول في "حماس" بالقول إن "دور السلطة يُفترض أن يكون حماية المواطن وليس حصاره وقتله"، ويجزم أن "ما يحصل في جنين سيُبقي صوت المقاومة حاضراً مهما حاولت أجهزة السلطة كمّ الأفواه ومطاردة المقاومين وحاضنتهم الشعبية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك