انعقد "ملتقى مكافحة الجريمة الالكترونية الرابع" برعاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحضوره، وتنظم الملتقى، للسنة الرابعة على التوالي، هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان ومكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بالتعاون مع مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ("مينافاتف")، بدعم من المفوضية الأوروبية، وبالاشتراك مع مجموعة الاقتصاد والأعمال.
وتحدث في جلسة الافتتاح سلامة والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة ورئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ونائب رئيس مجموعة "إغمونت" وممثلها الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبد الحفيظ منصور والسكرتير التنفيذي لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتور الوليد آل الشيخ.
وحضر الملتقى زهاء 400 شخصية ضمت وزراء ونوابا وسفراء وممثلي أجهزة قضائية وأمنية ورؤساء الوفود المشاركة في أعمال مجموعة ا"لمينافاتف" وممثلي الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية والمرجعيات القانونية والخبراء المصرفيين من لبنان والعالم، بالإضافة إلى ممثلي شركات معلوماتية متخصصين في مكافحة الجريمة الالكترونية.
وألقى سلامة كلمة قال فيها: "غزت التكنولوجيا مختلف الصناعات والأسواق، وأصبحت المعلومة والمعرفة رمزا للعصر الاقتصادي الجديد، بما في ذلك القطاع المصرفي الذي اصبح في رحاب تكنولوجيا الأعمال المصرفية. لذلك ينتقل مفهوم التوقيع الإلكتروني E-Signature الى مفهوم الهوية الرقمية Digital ID بحيث يشارك لبنان، من خلال هيئة التحقيق الخاصة، في كل الدراسات التي تقوم بها مجموعة العمل المالي "فاتف" ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "مينافاتف"، في هذا الخصوص. والعمل مبني على: طريقة تحديد عناصر الهوية الرقمية، وطريقة التحقق من هذه الهوية ومن الذين سيشرفون عليها وطريقة تبادلها عبر الحدود".
وعن إطلاق لبنان لعملته الرقمية، قال: "ما زال فريق من مصرف لبنان يعد لإطلاق العملة الرقمية، وهي تختلف عن العملات الافتراضية التي حذر مصرف لبنان منها ومن استعمالها كوسيلة الدفع Bitcoin، إذ أنها سلعة وأسعارها تشهد تقلبات حادة. كذلك عالميا، فإن التقارير تدل انه يتم استعمال العملة الإفتراضية او الأصول الافتراضية بعمليات تبييض اموال بوتيرة اعلى من تمويل الإرهاب لعدم وجود اليات صرف لهذه العملات قريبة من منطقة النزاع. أما في ما يتعلق بنظام (Blockchain) وتقنيتها فإن واحدا من كل خمسة بنوك مركزية سيستخدمون هذه التقنية بحلول عام 2019، و(Blockchain) ستستعمل في مجالات ادارية مختلفة بمعزل عن استخدامها للعملة الافتراضية. فالعملة الرقمية ستكون مصدرة من مصرف لبنان وبالليرة اللبنانية واستعمالها محلي فقط. والهدف من العملة الرقمية تسهيل أساليب الدفع وتفعيل التكنولوجيا المالية وتوفير الكلفة على المستهلك. كما ان اقرار قانون للتوقيع الالكتروني سوف يفعل مقاصة الشيكات الالكترونية ويعدل مفهوم المقاصة التقليدية فتجري هذه المقاصة بين المصارف من دون الوسطاء.
أما في موضوع "قانون الحماية العامة للبيانات الشخصية" لـ Regulation Protection Data General (GDPR) الصادر عن البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، فقد صدر عن مصرف لبنان التعميم الأساسي رقم 146 بتاريخ 13/09/2018 الموجه إلى المصارف والمؤسسات المالية المتعلق بأصول التعامل مع هذا القانون، وهو يتطرق إلى الاجراءات وطريقة الابلاغ والتدابير. وأريد ان اؤكد ان القانون المذكور آنفا لا يتعارض و لا يؤثر على عملية مكافحة تبييض اموال وتمويل الارهاب".
وأضاف: "أصبحت المعاملات الإلكترونية في لبنان واقعا يوميا، الا انها في الماضي كانت تتم في ظل فراغ تشريعي حتى شهر أيلول المنصرم حيث صادق مجلس النواب على قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الوارد بالمرسوم رقم 9341 تاريخ 17/11/2012 كما عدلته اللجان النيابية المشتركة ومجلس النواب. ويأتي القانون الراهن في ثمانية أبواب تتناول مواضيع عدة ابرزها: الكتابة والإثبات بالوسائل الإلكترونية، التجارة والعقود الإلكترونية، النقل الى الجمهور بوسيلة رقمية، أسماء المواقع على شبكة الإنترنت، حماية البيانات ذات الطابع الشخصي، الجرائم المتعلقة بالأنظمة والبيانات المعلوماتية والبطاقات المصرفية وتعديلات على قانون العقوبات وقواعد إجرائية متعلقة بضبط الأدلة المعلوماتية وحفظها".
وتابع: "لقد أخذ مصرف لبنان حيزا كبيرا في هذا القانون بحيث ذكر في المادتين 61 و62 منه أن الأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان تحدد ماهية النقود الإلكترونية والرقمية وطريقة إصدارها واستعمالها والتقنيات والأنظمة التي ترعاها، وأن الشيك الإلكتروني الذي يتم إنشاؤه وتوقيعه وتداوله الكترونيا يخضع للأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان. كذلك وفقا للمادة 133 من القانون المذكور، يعود الى مصرف لبنان، في ما يتعلق بالعمليات المالية والمصرفية، إعطاء: شهادات المصادقة العائدة للتواقيع الإلكترونية للمصارف وللمؤسسات الخاضعة لرقابته ولرقابة هيئة الأسواق المالية وللمؤسسات وللإدارات وللهيئات التي يتعامل معها وفقا للقوانين التي ترعى عملياته. وشهادات الاعتماد للمصارف وللمؤسسات الخاضعة لرقابته ولرقابة هيئة الاسواق المالية، بصفتها مقدم خدمات مصادقة للتواقيع الإلكترونية لزبائنها. ويقوم مصرف لبنان بوضع المعايير والقواعد التقنية في هذا الخصوص".
وختم: "أود الاشارة إلى أن تزايد العمليات والتقنيات الالكترونية سيؤدي إلى إرتفاع نسبة المخاطر وعمليات القرصنة والاحتيال، وعلى العاملين في القطاع الإعداد لهذه الخطوة المرتقبة وعدم انتظار القوانين والتعاميم. إننا في مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة وسائر الجهات المصرفية والمالية والأمنية ومنها قوى الأمن الداخلي، نتطلع إلى تعقب هذه الجرائم والتصدي لها من خلال نشر الوعي المستمر واتخاذ التدابير الوقائية والعلاجات المناسبة لتفادي وقوعها والحد من نتائجها".
وألقى اللواء عثمان كلمة قال فيها: "لا شك أن التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قد ساهم أيضا بتطوير معظم أنشطة المجتمعات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وإلى تغيير نمط الحياة ونشوء ما يسمى بـ "مجتمع المعلومات". هذا التطور أدى الى تزايد كبير في حجم المعلومات والتراكم المعرفي، وزاد من أهميتها في حياة الفرد والمجتمع على حد سواء، وجعل منها مجالا استثماريا ضخما، ومعيارا لقياس مدى تطور اقتصاديات مختلف بلدان العالم.
إن أحد مظاهر تطور المجتمعات هو ما يسمى بـ"الحكومة الإلكترونية"، أو مكننة المؤسسات، وهي البيئة التي تتحقق فيها الأنشطة الحكومية، وخدمات المواطنين واستعلاماتهم باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولبناء هذا النظام المعلوماتي هناك متطلبات عديدة أهمها: "البنية التحتية المناسبة، الأنظمة والتشريعات المناسبة، مكننة مختلف طرق العمل في الوزارات والإدارات العامة، مع ضرورة توفير مستوى عال من أمن المعلومات وفقا للمعايير العالمية المعتمدة في هذا المجال، مما يؤمن المحافظة على العناصر الأساسية لقيمة المعلومات، وهي السرية والتوافر والموثوقية، وحمايتها من الاختراق أو التعديل، عبر مختلف أنواع القرصنة الإلكترونية.
وأضاف: "نحن في مؤسسة قوى الأمن الداخلي، ومن ضمن الخطة الإستراتيجية، بدأنا بمكننة مختلف القطعات لدينا، وقد قطعنا شوطا كبيرا في هذا المجال، وإن شاء الله سنصل إلى مكننة كاملة خلال السنوات القليلة المقبلة. كما أننا نعمل على تحقيق الأمن المعلوماتي، معتبرين أنه شرط أساسي لحسن اشتغال مختلف النظم والبرمجيات والشبكات الإلكترونية لدينا، للحد من المخاطر السيبرانية، وتأمين وسائل الحماية منها. وقد قمنا بوضع الخطط اللازمة لمواجهتها في حال حصولها، فباشرنا في العام السابق تشكيل لجنة لاعداد دراسة حول إنشاء لجنة استجابة لحالة طوارئ معلوماتية
(CERT)، وقامت اللجنة المذكورة بإعداد ورش عمل في حضور خبراء من الاتحاد الأوروبي، بحيث جرى تحديد المتطلبات الإدارية واللوجستية والبشرية، تمهيدا للانتقال إلى مرحلة التنفيذ في العام 2019.
ولتأكيد أهمية الأمن السيبراني في لبنان، اتخذ دولة رئيس مجلس الوزراء قرارا بإنشاء هيئة وطنية للأمن السيبراني، ممثلة بمختلف الوزارات والقطاعات والأجهزة الأمنية والعسكرية لإعداد خطة وطنية لتأمين الفضاء السيبراني، في المستوى العالمي، ولحماية المواطنين والتبادلات الاقتصادية والتجارية كلها، من أي تهديد محتمل".
وتابع: "لا يخفى علينا وعليكم أنه ومن المتعارف عليه دوليا وعالميا، وعلى الأصعدة والمستويات جميعها، أن المصارف والعمليات المالية، هي الهدف الأساسي للعدد الأكبر من الجرائم السيبرانية المرتكبة. فإن معظم أهدافها مالية ولو كان ظاهرها مستترا بأهداف أخرى. لذل،ك وكما ذكرنا، فإننا نعطي أهمية كبرى لحماية مختلف قطاعات الدولة والمؤسسات العامة والخاصة، والمواطنين كافة. وتماشيا مع القوانين الدولية، فقد استحدثنا لهذه الغاية قطعات عدة جديدة لمكافحة مختلف أنواع الجرائم التي تطال هذه القطاعات. كما أننا نعمل على تطويرها بشكل مستمر من تجهيزات وبرمجيات، وعلى إنماء القدرات البشرية، واكتساب المعرفة من خلال الدورات التدريبية، والمؤتمرات الدولية المتتابعة، وتبادل الخبرات مع أجهزة إنفاذ القانون في العالم.
ولكن خلال العام 2018، ما زالت الشركات التجارية اللبنانية تتعرض لأنواع عدة من القرصنة الإلكترونية، ولا سيما بواسطة البريد الإلكتروني. فتقوم هذه الشركات بالتواصل بواسطة البريد الإلكتروني مع مورديها من الشركات الأجنبية، بحيث يقوم المقرصن بقرصنة بريدها الإلكتروني، أو بريد الشركة الموردة، ثم يقوم بالتواصل معها بهدف الاستيلاء على الحوالة بنتيجة التبادل التجاري بعد تغيير وجهة الحوالة من حساب الشركة الموردة الى حساب مصرفي يعود إلى المقرصن.
وهذه حالة من الحالات العديدة التي يستخدمها المقرصن للاحتيال والسرقة في الفضاء السيبراني، الأمر الذي أدى إلى خسائر مادية كبيرة، والى إفلاس العديد من المؤسسات التجارية. وبينت الإحصاءات أن هذه الجرائم ما زالت تحصل وبوتيرة عالية، وتخطت الأربعين شكوى تقدم بها المتضررون خلال العام 2018 حتى تاريخه، على الرغم من الجهد الذي بذلناها للحد منها بخاصة من خلال ورش العمل التدريبية والإرشادية، والمحاضرات التوعوية التي يقوم بها الضباط والعناصر في مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، للمؤسسات والجمعيات والشركات والنقابات في المناطق اللبنانية كلها".
وقال: "عملنا مع هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان ومختلف المصارف العاملة في لبنان، على تبادل المعلومات على إعداد دليل إرشادي للوقاية من الأفعال الجرمية المذكورة آنفا، وهذا الدليل موجه إلى القطاع المالي من مصارف ومؤسسات مالية، ومؤسسات الوساطة المالية، كذلك إلى الأفراد من تجار ومؤسسات، وغيرهم، وسنعمل على تحديثه عند الحاجة.
إضافة الى ذلك، كنا قد شاركنا في الاجتماعات التي عقدتها اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة لدرس المواد في مشروع قانون المعاملات الإلكترونية، والبيانات ذات الطابع الشخصي الذي تم إقراره في مجلس النواب، ونشر في الجريدة الرسمية برقم 81 تاريخ 18 تشرين الأول من هذا العام.
وهذا يضعنا أمام تحديات جديدة، إذ ان إقرار هذا القانون، سيؤدي إلى ظهور أنواع جديدة من الخدمات عبر شبكة الإنترنت في مختلف المجالات، مما يفتح الباب أمام المجرمين لارتكاب جرائم معلوماتية والكترونية جديدة، وهذا من شأنه أن يؤدي الى ارتفاع وتيرة هذه الجرائم.
وأضاف: "إننا في قوى الامن الداخلي، نثني على التعاون وتبادل الخبرات والمعلومات على الصعيدين الدولي والمحلي، فالتعاون وتبادل الخبرات والدورات التدريبية، يعد دوليا من الأولويات، وهو دائما في تقدم مستمر. كما أننا نعمل دائما على تطوير التعاون بين القطاعين العام والخاص محليا ونحض عليه دائما، فهو يعد عنصرا أساسيا في مكافحة هذه الجرائم وغيرها، إضافة إلى تأكيدنا وإصرارنا الدائمين على تحقيق الخطة الإستراتيجية الموضوعة في قوى الامن الداخلي لرفع مستوى الخدمة الشرطية، في ضمن رؤية عمادها الشراكة، فرؤيتنا إلى مجتمع أكثر أمانا، ما هي إلا تجسيد لتطلعاتنا بأن نعمل معكم جنبا إلى جنب لخدمة أبناء مجتمعنا، عبر تكريس هيبة القانون، ومنع الإفلات من العقاب، وتحقيق أفضل معايير العدالة، واحترام حقوق الإنسان".
وختم: "أتوجه بالشكر إلى القيمين على هذا المؤتمر والحاضرين فيه، متطلعين إلى خبراتكم للخروج بتوصيات وحلول تحقق الغاية المرجوة منه، متمنين لكم جميعا دوام التوفيق، مؤكدين لكم أننا في قوى الأمن الداخلي، سنبقى دائما وأبدا السباقين في مواجهة الجريمة ومكافحتها، في سبيل تأمين وطن آمن واقتصاد مزدهر".
وقال منصور: "كما هو معلوم للكثيرين، ان السنوات الماضية قد شهدت انتشارا متزايدا في استخدام شبكة الإنترنت، ونموا في حجم التعاملات التجارية المنفذة عبرها، وباتت المصارف وغيرها من المؤسسات تعتمد الشبكة وسيلة اتصال اساسية مع عملائها. إلا أن هذا الإنتشار المتزايد للتعاملات الالكترونية أدى إلى بروز ظواهر سلبية عديدة تندرج تحت عنوان الجريمة الإلكترونية وعمليات الاحتيال والقرصنة ذات الصلة، وعلى وجه الخصوص جريمة الإحتيال وسرقة الأموال بواسطة البريد الإلكتروني التي تصيب كل دول العالم ولم يجدوا آلية مكافحة فاعلة لمواجهتها حتى الآن. في 25 نيسان الماضي، نشرت حكومة المملكة المتحدة إحصاءات رسمية عن الأمن السيبراني وتكاليف وتأثيرات الانتهاكات والهجمات السيبرانية أظهرت أن أكثر من أربعة من كل عشر شركات في المملكة المتحدة عانت خرقا أو هجوما خلال الـ 12 شهرا الماضية، وأن معظم الهجمات حصلت بواسطة رسائل إلكترونية احتيالية".
وأضاف: "كيف السبيل للتصدي لهذا النوع من الجرائم ان كانت السرقة حصلت في بلد، والرسالة الالكترونية وصلت من بلد آخر، والخادم الالكتروني في بلد مختلف، وجرى تحويل الاموال مرورا بعدة دول والفاعل مجهول؟ جمع عناصر الجريمة الموزعة على عدة بلدان في قضية قانونية واحدة يكاد يكون امرا محالا، وهذا يجعل من الملاحقة القانونية وتقصي مصير الاموال المختلسة واستردادها امرا شبه مستحيل، لذلك تبقى الوقاية والتوعية على الأخطار المذكورة هي العلاج الأفضل. ومع مرور الزمن يزيد عدد المجرمين ويتعلمون ادوات جديدة تستعمل للجريمة، بداية كان المجرم يغير الـ IP address لكي يخفي هويته الحقيقية ومكان وجوده، وفي السنوات الأخيرة بدأ بطلب المال عبر منصات العملة الافتراضية لعدم معرفة المستفيد الحقيقي من التحاويل. وقد ادرك العديد من الدول حول العالم خطورة الجرائم الإلكترونية، فأدخلتها ضمن استراتيجياتها الأمنية، واستحدثت وحدات في مختلف أجهزتها الأمنية للعمل على المكافحة والوقاية منها. على الصعيد الدولي، تصدر هذا الموضوع أعمال عدة منظمات دولية، من بينها مؤتمر الأمن الإلكتروني الأوروبي في 8 تشرين الثاني 2018 ولأجل ذلك سيأخذ موضوع الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني حيزا مهما من مؤتمرنا اليوم".
وتابع: "في العام 2014 بدأنا نشهد في لبنان تزايدا ملحوظا في قضايا الجرائم الالكترونية الناتجة من البريد الالكتروني المزور تعرضت له العديد من المصارف والأفراد على حد سواء، وقد تطورت حالات الخرق والسرقة. وبعد تحليل ودراسة مستفيضة للأنماط المستعملة تبين ان سبل المكافحة المباشرة صعبة للغاية للأسباب التي سبق ذكرها، وان الوقاية من هذه الجرائم تكون من خلال رفع مستوى الوعي لأنماطها وأساليبها وهي قد تكون أفضل سبل العلاج، وهو الاستنتاج الذي توصلت اليه كبريات الدول في مواجهة هذا الخطر، ذلك انه بعد سرقة الاموال فان امكان استعادتها ضئيلة جدا. ولأجل ذلك، اطلقنا المؤتمر الاول للحماية من الجرائم الالكترونية في العام 2015 للتعريف بها والتوعية على أخطارها، وتلا ذلك مؤتمرات سنوية تعقد لهذا الغرض منذ العام 2015. وكان من نتائج ذلك الجهد المتواصل أننا اصدرنا خلال المؤتمر السنوي الثاني الدليل الارشادي للوقاية من هذه الجرائم وقد شمل الدليل في الفصل الاول منه ارشادات موجهة للمصارف وفي الفصل الثاني منه ارشادات موجهة للأفراد. ونتيجة لمتابعة ودراسة احصائيات القضايا الواردة للهيئة، تبين لنا تراجع في عدد حالات الانخداع بواسطة البريد الالكتروني التي تتعرض لها المصارف، فقد تراجع عدد الانتهاكات من 32 حالة في التسعة أشهر الاولى من العام 2017 الى 23 حالة في الفترة عينها من العام 2018. وهذا الامر ناتج عن الجهد الذي بذل والتواصل المستمر مع المصارف وبرامج التدريب التي وضعت لتوعية الموظفين للحالات المحتملة وللمؤشرات كما جاءت في الدليل الارشادي".
وشرح حجم التهديدات التي يتعرض لها الافراد، فقال: "في المقابل، لاحظنا تراجعا مماثلا في الحالات التي يتعرض لها الافراد للخدعة بواسطة الرسائل الالكترونية المزورة، فقد تراجعت تلك الحالات من 95 حالة في التسعة أشهر الاولى من العام 2017 الى 89 حالة في الفترة عينها من العام 2018. أحد اسباب هذا التراجع يعود الى أننا أفردنا في الدليل الارشادي، كما ذكرت، فصلا خاصا بالأفراد وبموجب التعميم الصادر عن مصرف لبنان الى المصارف يتوجب عليها لفت العملاء الى الأخطار المحتملة ومراجعة لائحة المؤشرات للأعمال الخداعية التي يلجأ اليها القراصنة، وبعدما رفعنا مستوى الحماية حيث أن مصرف لبنان إرتقى بمستوى الإجراءات من إرشادية الى الزامية في العام 2017، من خلال اصدار تعميم ملزم في هذا الشأن وخصوصا لجهة لفت العملاء الى ضرورة مراجعة المؤشرات المدرجة في الدليل قبل تثبيتهم اوامر التحويل. في المحصلة الاجمالية، بدأنا نلمس نتائج ايجابية بحيث ان الارقام الاجمالية لحالات القرصنة بواسطة البريد الالكتروني أخذت تشهد استقرارا وتراجعا في حالات المصارف فبعد ان وصلت نسبة الزيادة الى 65% بين عامي 2014/2015 تراجعت الى ما نسبته 60% بين 2015/2016 والى 23% بين 016/2017 ومن ثم الى 15% في الأشهر التسعة الأولى بين عامي 2017/2018، وهذا مؤشر على أننا على الطريق الصحيح للحد من انتشار هذه الجرائم ومكافحتها بشكل فعال، وسوف نتابع رصد النتائج واتخاذ القرارات اللازمة بناء على ذلك. كذلك سوف نتابع العمل مع المصارف لتوعية عملائها وكذلك مع الاعلام للاستمرار في الاضاءة على مخاطر الجرائم الالكترونية وخاصة في ما يتعلق بالرسائل الالكترونية المزورة".
وختم متحدثا عن تطبيق قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، وقال: "لقد كانت أخطار الجرائم الإلكترونية في لبنان محصورة نسبيا بما تكلمنا حول انتهاك البريد الالكتروني، الا ان لبنان وبعد اقرار قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الذي سيفتح الباب واسعا للمعاملات الإلكترونية، سوف يكون معرضا لأنواع جديدة هي قديمة بالنسبة الى الدول الاخرى. ولذلك، وإن كان القانون الجديد يفتح فرصا جديدة للأعمال الإلكترونية، إلا انه يفتح الباب واسعا على أخطار جديدة، الأمر الذي يتطلب العمل سريعا على وضع الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني والعمل اكثر على الحد واقول الحد من الأخطار المقبلة التي لن يكون لبنان بمنأى عنها مستقبلا، إذ ما شهدناه عالميا من جرائم في هذا الاطار دليل كاف على ما ينتظرنا. وأرجو ان نتمكن جميعا كهيئات رقابية وقطاع عام بالتعاون الوثيق مع هيئات انفاذ القانون والاعلام من العمل سوية على زيادة نشر التوعية للمخاطر وتحقيق المزيد من التقدم على مسار مكافحة الجريمة الالكترونية".
وقال الدكتور آل الشيخ: "يسرني بالنيابة عن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالأصالة عن نفسي، أن أرحب بكم في النسخة الرابعة من ملتقى مكافحة الجريمة الإلكترونية الذي تعقده هيئة التحقيق الخاصة بالتعاون مع المجموعة، ويطيب لي أن أعبر عن جزيل الشكر والتقدير للجمهورية اللبنانية الشقيقة على استضافتها لهذا الملتقى، وعلى حسن الإعداد والتنظيم".
وأضاف: "تعد الجريمة الإلكترونية إحدى أخطر أنواع الجرائم التي تواجهها الدول والمجتمعات في ظل الانتشار السريع والمتزايد لاستخدام الإنترنت والتطور المستمر في تقنيات الاختراق والقرصنة والاحتيال الإلكتروني، إذ تفوق الخسائر السنوية الناجمة عن هذه الجرائم 500 مليار دولار، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود لمكافحة هذا النوع من الجرائم من خلال التوعية وسن التشريعات واتخاذ التدابير لتطوير أنظمة حماية تقنية وتشغيلية. ولا شك أن الأصول الإلكترونية والخدمات المرتبطة بها تدفع عجلة التطور والابتكار وتساعد في تحسين الخدمات وتعزيز الشمول المالي، إلا أنها من جانب آخر مرتع للمجرمين والإرهابيين لتمرير أموالهم وغسلها من خلالها. لذا فهناك حاجة ماسة لأن تأخذ الدول تدابير وإجراءات منسقة لتفادي استغلال الأصول الإلكترونية في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
وختم: "من هذا المنطلق، سنلقي الضوء في هذا الملتقى على المفاهيم المرتبطة بالأصول الافتراضية وتقنية Blockchain، وعلاقتهما، والفرص والأخطار المرتبطة بهما، واستخداماتهما في القطاعين العام والخاص، وأخطار استغلالهما في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. إضافة لذلك، سنستعرض تجربة الاتحاد الأوروبي وسياسته في هذا الشأن. أتمنى لكم ولهذا الملتقى كل النجاح والتوفيق، وأود أن أكرر شكري للجمهورية اللبنانية وأنا أشيد بجهودها المميزة ومبادراتها الخلاقة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الإلكترونية، ودعمها الدائم للمجموعة، من أجل تعزيز نزاهة النظام المالي والاقتصادي على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك