كتبت أريج عمار:
"قاسياً لكنه مدروساً"، هكذا يصف بعض المراقبين الرد الإسرائيلي المرتقب على إيران بعد المراوحة الأميركية الإسرائيلية في اتخاذ قرار شكل هذا الهجوم، إذ إن هناك حسابات عدة تتحكم بهذا القرار لا سيما المصالح الخليجية في المنطقة التي لا شك في أنها ستتضرر إذا ما استخدمت الولايات المتحدة الأميركية قواعدها العسكرية الموجودة في دول الخليج، إضافة إلى الدور الكبير الذي تمتلكه الانتخابات الرئاسية الأميركية في السيطرة على مجريات الأحداث.
من هذا المنطلق، وبمراقبة للتصريحات الأميركية في هذه الفترة، طالب المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب أو أيّد علناً خيار نتنياهو بضرب المفاعل النووية الإيرانية مختاراً الخيار الأقسى ليس فقط على إيران بل على العالم بأسره، بينما تعمل الإدارة الأميركية الحاليّة، الديمقراطيّة، على محاولة تخفيف وطأة الرد الإسرائيلي كي لا تنجرف إلى حرب إقليمية، فما هي مؤشرات "مفاجأة أكتوبر" قبيل الانتخابات الأميركية، وكيف سيستمر الوضع في لبنان؟
فإلى أي حد تدعم الولايات المتحدة الأميركية إسرائيل؟
هذا السؤال الذي قد تبدو، في بادئ الأمر، إجابته واضحة من خلال بيانات وتصريحات المسؤولين الأميركيين بالقول "سندعم إسرائيل إذا تعرضت لهجوم"، يجيب المستشار الاستراتيجي د. وليد فارس في حديث لموقع mtv أنه "في الوقت نفسه، وسط دعم إدارة بايدن لاسرائيل، إلا أنها لا تريد دعم إسرائيل لتغيير الأنظمة في المنطقة، ولا ترغب في تدخلها في الأوضاع الداخلية لهذه الدول، خاصةً في موضوع لبنان".
ويؤكّد فارس أن هناك ضغط مستمر من قبل واشنطن على أن تتجنب إسرائيل ضرب المواقع التي لا علاقة لها بحزب الله، ومن الملاحظ أن إسرائيل تنفذ ذلك، فهي لا تستهدف الجسور ولا تستهدف البنية التحتية التي لا علاقة لها بحزب الله حتّى الآن، إلا أنه من المؤكّد أن لا معلومات حول الخطة النهائية لإيقاف العمليات في لبنان، ولكن "إذا تحركت فعاليات الشعب اللبناني باتجاه المجتمع الدولي، فإن المجتمع الدولي يحتاج إلى فريق يتحدث معه. هذا الفريق ليس الحكومة القائمة، فهي تعتبر أنها تحت سيطرة حزب الله، لذلك ما ينتظره المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية قبل إسرائيل هو قيام تجمع لكل مسؤولي لبنان الخارجين عن سلطة حزب الله، والإعلان عن الرغبة في تنفيذ القرار 1559. هذه هي الشرعية الوحيدة التي بإمكانها أن تأتي بالمجتمع الدولي ليساعد اللبنانيين على الخروج من هذه المحنة".
"مفاجأة أكتوبر"... تقليد ودلالات سياسية!
أصبح مصطلح "مفاجأة أكتوبر" شائعاً منذ ثمانينيات القرن الماضي في السياسة الأميركية، وهو حدث رئيسي يمكنه أن يغير قواعد اللعبة ويلحق ضررًا غير قابل للإصلاح بفرص أحد المرشحين ويعزز فرص الآخر مؤثّرا على قرار الناخبين.
تاريخياً، في انتخابات عام 1980 التي جمعت الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته جيمي كارتر ومنافسه الجمهوري رونالد ريجان، كان حينها مصير كارتر مرهوناً بأزمة الرهائن الإيرانية التي لم تحل، وبمصير الدبلوماسيين الأميركيين الـ52 الذين كانوا محتجزين في طهران. والحال أنه لو كلّلت جهود كارتر في تأمين إطلاق سراحهم بالنجاح، لتحسنّت فرص إعادة انتخابه. لكن هذا لم يحدث، بل على العكس إذ وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في آذار 2023، سافر إثنين من زعماء الحزب الجمهوري في جولة عبر الشرق الأوسط خلال فترة الجمود (صيف 1980)، وقاموا بتشجيع الوسطاء للضغط على إيران من أجل إبقاء الرهائن في طهران لحين انتهاء الانتخابات، بحسب ما ذكره أحد السياسيين المشاركين في الجولة، التي أشرف عليها "كيسي"، الذي عينه "ريغان" مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية بعد الانتخابات.
اليوم، أحداث كثيرة حول العالم يمكنها أن تمثّل المفاجأة المنتظرة، إذ يشير فارس "لا أدري إذا كانت "مفاجأة أكتوبر" قد تحولت إلى نوع من التقليد السياسي الأميركي، نسمع عن مفاجآت أكتوبر دائماً في الانتخابات الأميركية، إذ بالفعل في جميع أشهر أكتوبر خلال الانتخابات الأميركية، يحدث شيء ما ويبقى الجميع ينتظر شيئاً ما. أحياناً يكون الموضوع انتخابياً، وأحياناً أمنياً، وأحياناً أموراً إقليمية، وأعتقد أن موازين القوى حالياً في موضوع الانتخابات هي نصف نصف".
ويوضّح فارس أنه "في النصف الأول، الآلة الانتخابية للحزب الديمقراطي أقوى من تلك الخاصة بالجمهوريين تاريخياً، والقاعدة الشعبية أو الحزبية للحزب الديمقراطي أوسع. لكن هناك ما يسمى "الموجة الشعبية" التي يحدثها بعض مرشحي الجمهوريين، على سبيل المثال، ما حصل مع ريغان، حيث حقق نتائج مبهرة تقريباً في جميع الولايات، وأيضا عام 2016 ما حصل مع ترامب في نهاية الانتخابات، فاجأ الجميع وأحدث موجة، والآن يعتقد المراقبون أن هناك تعبئة شاملة حزبية لدى الديمقراطيين الذين هم في السلطة ولديهم قدرة مالية أكبر، ولكن إذا تمكّن ترامب من إطلاق موجة شعبية، فقد نرى موجة انتخابية، نرى بعض رموزها تظهر الآن، إذا أطلقها، بإمكانه أن يصل، ولكن أيًا كان الوضع، ربما سيفوز بفارق ضئيل من الأصوات، هذا هو التقدير حتى الآن، ولكننا لا زلنا على بُعد بضعة أسابيع من الانتخابات وقد تتغير الأمور".
ومن المؤكّد بحسب فارس أنه إذا انتصرت كامالا هاريس، سيستمر الوضع القائم كما هو عليه اليوم، أما إذا انتصر ترامب، سيعود إلى سياسته التي كان قائماً عليها في عهده وسيطورها، مما سيؤثر على بعض المناطق خارج عن الوضع القائم. وإذا نظرنا إلى لبنان، فإن ترامب سيتحالف مع الحكومة الإسرائيلية لتحقيق بعض أهدافها، والتي تتعلق، كما نرى الآن، بموضوع وجود حزب الله في لبنان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك