صدرت النتائج الرسميّة لتلاميذ الصفوف الثانويّة الثالثة، بضع ساعات بعدها، بدأت وسائل التواصل الاجتماعيّ بين تلاميذ الصفوف النهائيّة في ثانويّة مار يوسف للرّاهبات الأنطونيّات - زحلة، تزدحم بتبادل التهاني بين الإدارة والمربّين والتلاميذ عبر مجموعات وسائل التواصل، بعد تعبٍ رافقهم طيلة سنة دراسيّة عامرة بظروف استثنائيّة يمرّ بها لبنان، في طليعتها السؤال الذي بقي مبهماً جوابه حتى ساعات الامتحان الأولى: "في تقديم أو بدّن يلغوه؟".
بعد هرج ومرج، بدأ التدقيق في العلامات، وتتابع التدقيق بالتدقيق، في علامتهم التي نالوها في مادّة الفلسفة العامّة، وهنا نجد قصّة غريبة.
بعد خسارة أستاذ المادّة في الثانويّة لشرطه بينه وبين تلاميذه منذ عامين، وربحت آنذاك تلميذتان الرهان، ونالتا علامتين تعدّتا 18 /20، وأجبرتاه على دعوتهما إلى طاولة عشاء في "كازينو لبنان"، وهو الشرط الذي كان قد ورّط نفسه به. وفي السنة الفائتة خسر أيضاً الرهان نفسه أمام 13 تلميذة وتلميذاً، واضطرّ إلى دعوتهم جميعاً إلى "كازينو لبنان" أيضاً، الذي كان قد استنقذه خلال الرهانين، مقدّماً له العشاءين، انطلاقاً من استلطاف إدارة الكازينو للفكرة التي عرفت بها مصادفة، واقتناعها أن دعم النشاطات الفكريّة في لبنان، ضروريّ لوطن كان منطلقاً لثقافات عالميّة ملموسة، مع ملاحظة كانت قد توجّهت بها الإدارة وهي أنّ العدد قد فاق عدد السنة المنصرمة، إذ انطلق من تلميذتين ثمّ صاروا 13 تلميذاً وتلميذة!
فهم أستاذ مادّة الفلسفة في الأنطونيّة الرسالة، وحاول خلال السنة التي مضت، "التطنيش"، وعدم فتح سرديّة الرهان السنويّ مع أيّ من الصفوف النهائيّة، وهذا ما دفع عدداً من التلاميذ إلى مطالبته والإدارة بعدم التمييز، وأحرجوا أستاذهم للرّضوخ إلى الرّهان معهم أيضاً، تشجيعاً لهم ومساواةً بزملائهم الذين سبقوهم.
أُحرِجَ د. جورج حرب أمام أحقيّة مطلبهم وأمام رئيسة المدرسة الأمّ رولا كرم، وحاول استبدال الشرط بآخر أقلّ وطأةً، فرفض التلاميذ وأصرّوا على الرهان نفسه، وهذا ما اضطرّه إلى التسليم بالأمر الواقع، وقبول التحدّي، لكنه اشترط على تلاميذه رفعه إلى 19/20، ظنّا منه أنّه المخرج المناسب لإسكات التلاميذ، وهذه العلامة من الصعب أن ينالها أحد من التلاميذ إلّا ما ندر، لكنّ حساباته هذه المرّة أيضاً قد خذلته، وإذ بالاتّصالات تنهال عليه تطالبه بتنفيذ الشرط بعد نيل 13 تلميذاً للعلامة المطلوبة، ووقع من جديد في ورطة عشاء الكازينو.
اتّصل الدكتور حرب بالمستشارة الإعلاميّة الآنسة رنا، المستشارة الإعلاميّة لكازينو لبنان، ليحجز طاولة للتلاميذ الرابحين، بالإضافة إلى مقعدين، له ولرئيسة المدرسة الأمّ رولا كرم، التي كانت قد أسرّت له أن إدارة المدرسة ستغطّي هذا العام الشرط الفلسفيّ، بسبب كلفته المرتفعة، وبالطبع رحّب هو بالفكرة، واعتقد أنّ الفرَجَ قد أتى، ولا ضرورة لأن نشرح معاً إشكالية الرّواتب التي يعانيها اليوم كلّ موظّفي لبنان.
أتى الأربعاء 21 آب، ووصل الجميع إلى مدخل الكازينو في الوقت المحدّد، وصعدوا معاً درج الكازينو التاريخيّ بعد أن تمّ التقاط الصور التذكاريّة. وعند الدخول إلى ترّاس كازينو لبنان، تفاجأ الجميع بالمستشارة الإعلاميّة للكازينو الآنسة رنا ترحّب بهم، وتفاجئهم قبل جلوسهم بقالب كبير من الحلوى عليه شعار المدرسة الأنطونيّة، وعليه عبارة "الشرط شرط! مبروك"، ثمّ وزّعت عليهم لائحة الطعام المخصّص للعشاء، وفي مبادرة لا تخلو من العاطفة والتقدير، طبعت إدارة الكازينو على خلفيّتها شعار المدرسة الأنطونيّة في كسارة - زحلة، وعبارة الشرط شرط أيضاً، معلنةً للأمّ رولا كرم كما للدكتور حرب أستاذ المادّة وللتلاميذ، أنّها تحمل لهم تحيّات المدير العامّ لكازينو لبنان الأستاذ رولان خوري، وأنّ إدارة الكازينو قرّرت للسنة الثالثة على التوالي تغطية خسارة الشرط من قبل أستاذ المادّة، متمنيةً للتلاميذ أحلى الأيّام المكلّلة بالنجاح والإبداع.
جميلة هذه المبادرات التي يقوم بها كازينو لبنان، والتي تحمل في طيّاتها أملاً بغدٍ مشرق للّبنانيّين، ومهمّةٌ هذه المبادرات التربويّة، التي يمكن للبعض أن يراها خروجاً عن المألوف وإنكاراً لواقع متأزّمٍ يمرّ به لبنان، إلّا أنّ البعض الآخر يجدها ضروريّة لكسر حلقة الموت واليأس التي تفرضها أجندات كثيرة على اللبنانيّين، الذين لا يزالون يفاجئون العالم بلامبالاتهم بكلّ ما يمرّون به من مصائب، ولن يبالوا يوماً إلّا بالعلم والنجاح والتحدّي والسهر واللقمة الطيّبة والفكر والفرح، في رسالة تحمل، على بساطتها، ألف معنى أبرزها، لن لبنانلن ينكسر ما دام فيه لبنانيّون يفكّرون كتلاميذ الأنطونيّة، الذين ربحوا رهانهم على الفلسفة وأستاذها، وحتماً سيربحون رهاناتهم على مستقبلهم ومستقبل لبنان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك