عند انتهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب الرئيس جوزف عون، ساد شعور عام بالتفاؤل وبالفرح العارم لما شكّله الانتخاب من مؤشّر على نهاية مرحلة الانهيارات والأزمات المتتالية والمتراكمة في السنوات الأخيرة، ولما حمله الانتخاب من آمال كبيرة عُلّقت على شخص الرئيس وعلى خطابه الرئاسي أو خطاب القسم الذي لاقى ترحيبًا كبيرًا في الداخل والخارج، لأنه حمل عناوين ومضامين تنبئ بالتغيير المنتظر نحو الأفضل على جميع المستويات. ثم جاء تكليف الرئيس نواف سلام ليعزّز الآمال بعد أن تحوّل طرح اسمه في السنوات الأخيرة لرئاسة الحكومة طرحًا تغييريًا وحمل الكثير من المدلولات الإصلاحية بالنظر أيضًا إلى صفاته ومسيرته وثقافته.
ليس غريبًا على الشعوب المعذّبة أو المغلوب على أمرها كالشعب اللبناني أن تعيش على فكرة انتظار المخلّص، أو القائد، الذي بإمكانه رفع الظلم وإعادة الأمجاد وردع الخطر عن شعبه. وهذه الفكرة متأصلة في النفوس وموجودة بكثافة في الثقافة الشعبية والدينية، وإذا ما نظرت إليها من زاوية أنثروبولوجية تجدها بشكل أو بآخر لدى الفئات اللبنانية على تنوّعها الديني وغير الدينيّ. الظاهرة طبيعية إذًا وهي السبب في بروز عدد من الشخصيات التاريخية التي عرفها لبنان في تاريخه المعاصر والتي تمّ رفعها إلى مراتب فوق بشرية في حياتها أو بعد رحيلها، وقد انتهى معظمها إلى الموت اغتيالًا لأنها كانت ترمز إلى صعود فئة واحدة وهو صعود تراه الفئات الأخرى انتصارًا عليها أو هزيمة لها أو تراجعًا في مكانتها ودورها في إطار صراع الفئات المتنافسة على حكم البلاد أو قيادة الفئات الأخرى وفق أولوياتها ونظرتها لطبيعة البلد أو دوره أو لونه.
حتى الآن لم تأخذ التغييرات المتأتية عن أشخاص المرحلة الحاضرة بُعدًا فئويًا وهذا مردّه أيضًا إلى صفات شخصيّة لدى كل من الرئيس ورئيس حكومة العهد الأولى، وكلاهما بعيد عن الفئوية في تاريخه وأدائه. لكن مشكلة أخرى قد تبدأ بالبروز وهي أن سقف التوقعات أو الانتظارات أو الآمال المعلّقة عليهما بدا مرتفعًا جدًا.
قد يكون ارتفاع سقف الآمال أمرًا طبيعيًا ولكن درجة الارتفاع قد لا تكون واقعية وقد لا تعكس القدرة الحقيقية على الإنجاز، الأمر الذي قد يتحوّل سببًا للوقوع في الخيبة. وبالفعل لقد بدأت تتردّد في أوساط معيّنة ملاحظات تطال مرحلة الحكم الحالية.
قد يعود السبب في ذلك إلى طبيعة الأمور بحدّ ذاتها أي إلى صعوبات الحكم أكثر منه إلى نوايا الحاكمين أو عزائمهم، أو إلى التفكك الذي أصاب مؤسسات الدولة وجعلها بحاجة إلى ترميم وإعادة بناء قبل الانطلاق بالعمل. كما قد يعود السبب إلى المسافة الطبيعية القائمة بين صورة المخلّص المنتظر بالمعنى الدنيوي لدى الناس وبين أشخاص الحكام ذوي التكوين البشري وما يكتنفه هذا التكوين من محدوديّة القدرة.
ذلك لا يعفي الحاكمين من واجب الانتباه إلى المسافة القائمة بين الواقع والتوقعات، والحرص على عدم تبديد مخزون التأييد، الشعبي والنخبوي، الذي يبقى حاجة وطاقة أساسية للقدرة على العمل والإنجاز، لا سيما أن العديد من الملفات في هذه المرحلة شديدة الحساسية وقدرة الحكومة على اتخاذ القرارات بشأنها ترتبط إلى حدّ بعيد بحجم التأييد.
هذا يعني أنه، وكما قال بالأمس أحد الحكماء المخضرمين، ينبغي خفض سقف التوقعات لدى الناس في مقابل رفع مستوى جهود الفريق الحاكم للعمل والإنجاز، بشكل يقلّص الفارق بينهما ويحول دون خطر الفشل والوقوع في الخيبة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك