ترأس راعي أبرشيّة زحلة المارونيّة المطران جوزف معوّض، قدّاسًا احتفالياً في كاتدرائيّة مار مارون كسارة لمناسبة عيد مار مارون، حضره رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم ابراهيم، راعي أبرشية زحلة والبقاع للروم الارثوذكس المطران انطونيوس الصّوري وراعي أبرشية زحلة والبقاع للسريان الارثوذكس المطران يوستينوس سفر وبمعاونة لفيف من الكهنة.
كما حضر النائب سليم عون، رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، محافظ البقاع كمال أبو جودة، قائد منطقة البقاع الإقليمية في قوى الامن الداخلي العميد نديم عبد المسيح، رئيس بلدية زحلة المعلّقة وتعنايل أسعد زغيب، وزراء ونواب سابقون، قضاة ومدراء عامّون، رؤساء بلديّات ومخاتير وقادة عسكريون، رؤساء أحزاب وإعلاميون ولِجان الأبرشيّة. وخدمت القدّاس جوقة نسروتو.
وخلال القداس، ألقى المطران معوّض عظة قال فيها: "عاش مار مارون على جبال قورش في سوريا، بين القرنين الرابع والخامس. انتهج الحياة النسكية. فاستقطب المؤمنين الّذين كانوا يطلبون إرشاده وشفاعته الشافية. وبعد وفاته حوالى سنة 410، ذاع صيت قداسته، فبنى الأمبراطور الروماني مارقيانوس، بمسعى من أسقف المدينة تيودوريطوس القورشي، ديراً على اسم القديس مارون، سنة 452، على ضفاف نهر العاصي، قرب حماة، في منطقة أفاميا السوريّة. وظلّ الدير قائماً حتى دماره في منتصف القرن العاشر. والمؤمنون الذين سكنوا حول الدير، مع مؤمنين من مناطق في الجوار ومن لبنان، سُمّوا بالموارنة نسبة لشفيعهم وشفيع الدير مار مارون. وهم الذين اتّبعوا الايمان الخلقيدوني المعترف بطبيعتي السيد المسيح الالهيّة والانسانيّة، وهم خصوصاً من منطقة الأرياف، الذين اعتمدوا اللغة السريانية في ليتورجيّتهم. وفي القرن السابع، ونتيجة الحملات في سوريا، نزح الكثير من الموارنة فيها الى لبنان، واختلطوا بالمؤمنين الذين كانوا اهتدوا الى المسيحية منذ أيام الرسل وخصوصاً على الساحل، وبفضل تبشير تلامذة مار مارون مثل ابراهيم القورشي، خصوصاً في الجبال. وفي أواخر القرن السابع، نشأت البطريركيّة المارونية، وبدأت الكنيسة المارونيّة تأخذ هيكليّتها، وتنظّم ذاتها ككنيسة محليّة ذات حقّ خاص".
وأضاف: "ونتوقف في هذا العيد على الحياة الاجتماعيّة للموارنة في عصورهم الأولى، وعلى دور الكاهن في إيمانهم، لأن العيد يصادف اليوم، بحسب الليتورجيا المارونيّة، مع أحد الكهنة. فمن الناحية الاجتماعيّة سكن الموارنة في الجبال والوديان، في لبنان الشمالي وفي جبل لبنان، مثل وادي قاديشا وقنوبين ويانوح. وتحصّنوا بالجبال العصيّة في الدفاع عن أنفسهم. وتمسّكوا بحريتهم واستقلالهم. وتوحّدوا حول شخص البطريرك. وعاشوا في القرى. وحوّلوا الأرض الوعرة إلى جلالٍ مثمرة. وطُبعت حياتهم بالعمل في الزراعة، وبساطة العيش، والتضامن الوثيق فيما بينهم، وخير مثال على ذلك مبدأ "العونة" من أجل بناء بيت، أو القيام بحصاد، أو مساعدة مريض. وتداخلت حياتهم الاجتماعية مع حياة الرعيّة. وقد نشأت الرعايا من التفاف المؤمنين حول كنيسة ديريّة، أو حول كنيسة يخدمها كاهن، بناها المؤمنون أنفسهم. وكانت كنيسة الرعية بناءً بسيطاً شبيهاً ببيوتهم، تشهد عليه الكنائس القديمة الباقية لغاية اليوم، ومن أقدمها كنيسة مار ماما اهدن التي شُيّدت سنة 749".
وتابع: "أن أمانة الشعب لايمانه جعله يتحسّس بضرورة وجود الكاهن. وكانت احدى مقوّمات الدعوة الكهنوتية، الحاجة الى كاهن في رعيّة شاغرة. فكان أهل القرية يختارون من بينهم شخصاً فاضلاً، ويقدّمونه للأسقف الذي بدوره، اذا قرّر قبوله، يرسله الى كاهن جليل، أو الى دير، للتهيئة للكهنوت، ثم يرسمه كاهناً على مسؤوليّة من قدّمه، كما يرد في رتبة الرسامة حتى اليوم. وللكاهن دور أساسي في تقديس المؤمنين. شبّهته صلواتنا بأن معه مفاتيح كنوز السماء، يفتحها ويوزّعها على المؤمنين، ولاسيّما في الاحتفالات الليتورجيّة. وكان المؤمنون يجتمعون بقيادته للاحتفال بصلوات الساعات صباحاً ومساءً. وكانت كتب الصلاة في الكنيسة كبيرة، وكانت مخطوطة، في وقت لم تكن الطباعة متوفّرة بعد، فكانوا يتحلّقون حولها ليتلوا الصلاة معاً، كما في صلاة الحاش أي صلاة أسبوع الآلام".
وأشار إلى أن "كاهن الرعية هو الحاضر دائماً مع أبناء رعيّته، فهو منهم، يسكن في القرية، ويعمل في أرضه مثلهم، ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، ويشهد أمامهم بمَثَله. وكاهن الرعية هو المعلّم للايمان والأخلاق بالوعظ، وهو الذي كان يجمع الأولاد قرب الكنيسة أو تحت السنديانة، ليعلّمهم القراءة والكتابة باللغتين السريانية والعربية. وفي مرحلة متقدّمة، وبعد تأسيس أول مدرسة اكليريكيّة مارونية سنة 1584، في روما، كان يتمّ اختيار أولاد لامعين لارسالهم اليها. وكانوا بعد فتياناً، فيتابعون دروسهم العادية ثم اللاهوتية استعداداً للكهنوت. وهذا ما حصل على سبيل المثال مع الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي الذي أُرسل الى روما بعمر 11 سنة، سنة 1641. ومع تقدّم الأيام تغيّرت الأحوال، فتكوّنت رعايا المدن المكتظّة بالمؤمنين، وتطوّرت أنماط الحياة، وأصبحت الدعوة تكتشف بتمييز روحي شخصي بين المؤمن وأسقفه والمدرسة الاكليريكيّة. وأُنشأت الاكليريكيّات في لبنان بعد المجمع اللبناني المنعقد سنة 1736. وتقدّم تنظيم الرعايا. وأصبحت الحاجة ماسّة أكثر من قبل، الى كاهن يتوجّه الى المؤمنين، من أجل حثّهم على المشاركة في الحياة الليتورجيّة والكنسيّة. قديماً كانت الرعيّة تبحث عن الكاهن حين تقدّم المؤمن الى الكهنوت، واليوم أصبح الكاهن يبحث عن الرعيّة. والكنيسة التي تسهر على ايمان المؤمنين، ترافقهم في شؤونهم الوطنيّة، وتبدي فيها حكمها ومواقفها، انطلاقاً من مبادئها الأدبية، وحرصها على الخير العام".
وتطرّق إلى الشأن الوطني، فقال: "ينطلق لبنان اليوم من جديد بانتخاب رئيس للجمهورية، يقود فيه مسيرة الاصلاح. يتعاون فيها مع الحكومة التي نشكر الله على تأليفها، والتي نأمل ان تنال الثقة لا على أساس المحاصصة، بل على أساس قدرتها وفاعليّتها على تحقيق الاصلاح. وتتطلّب المسيرة الاصلاحيّة التصدّي للفساد والزبائنية والمصالح الفئويّة، وبسط سيادة الدولة على كلّ الأراضي اللبنانيّة. وتصبح هذه السيادة ناجزة بانسحاب الجيش الاسرائيليّ من هذه الأراضي، وبانتشار الجيش اللبناني عليها، وبحصر السلاح بالدولة، وبسيادة القانون على الجميع بدون استثناء، وبتطبيق القرارات الدولية الصادرة من منظمة الأمم المتحدة. والمجالات التي تحتاج الى إصلاح كثيرة وقد ذُكرت في خطاب القسم. نذكر منها الاصلاح الاقتصادي والمالي الذي يمكّن المواطن من عيش حياة كريمة، واستعادة ودائعه في المصارف، فيشعر ان الدولة تهتم بأمره. وفي الوقت الراهن الّذي يحظى فيه لبنان بالتفاف اقليمي ودولي حوله لدعمه، يجدر باللبنانيين، الى أي جهة انتموا، ان يغتنموا هذا الدعم، ويقدّموا التضحيات اللازمة لنيله، من أجل خير وطنهم".
وختم: "نسأل الله بشفاعة مار مارون أن يحفظ المؤمنين في إيمان صادق وملتزم، ويعضد الكهنة في رسالتهم، ويعطي لبنان نهضة مشرقة، ومسيرة إصلاحية مثمرة، تعيد إليه استقراره وازدهاره. آمين".
بعد القدّاس استقبل المطران معوّض المهنِّئين في صالون المطرانيّة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك