لا توجد ثقة حتى الساعة لدى الدول الخماسية بقدرة السلطات اللبنانية على تولي إدارة ملف إعادة إعمار لبنان. ولم تلمس هذه الدول أن هناك جدية في تطبيق القرار 1701 وتفسير مندرجاته جنوب الليطاني وشماله ، تحديداً بعد تمسك "حزب الله" بثلاثية شعب وجيش ومقاومة، وفق ما جاء على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم.
الزمن الأول تحوّل، أكان من ناحية طريقة التعاطي السياسي، أو لناحية الرقابة المفروضة على صرف الأموال. ويشير رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق إلى أن المعادلة اليوم في لبنان تغيّرت وعلى "حزب الله" التزام الاتفاق الذي وقعه والذي يقضي بتطبيق كامل للقرار 1701 و تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية. كما يقضي بإقفال المعابر غير الشرعية، والّا ستكون هناك أزمة ثقة بين المجتمع الدولي ولبنان، خصوصاً بعدما تعهد رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب قسمه تحت عنوان "عهدي" بتطبيق جميع الإصلاحات المطلوبة. من هنا أعطت الدول الخماسيّة، (أي كلّ من الولايات المتّحدة وفرنسا وقطر والسعوديّة ومصر) والمعنيّة بمساعدة لبنان في إعادة الإعمار، الثقة للرئيس عون نظراً إلى تجربته الناجحة في قيادة المؤسّسة العسكريّة، والتي خوّلته كسب ثقة هذه الدول.
وأعلن رزق أن زيارة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لبيروت ما هي الّا لتهنئة الرئيس من جهة، ومن جهة أخرى لتأكيد وقوف الدولة القطرية إلى جانب لبنان وإصرارها على تشكيل الحكومة اللبنانية ونيلها الثقة في المجلس النيابي، وأن يجسد بيانها الوزاري تطلعات اللبنانيين وآمالهم، وأن تكون قادرة على النهوض باقتصاد لبنان. ويلفت رزق إلى أن قطر كانت قد أعلنت عن استثمارات عدة في مشاريع واسعة ستنفذها بالشراكة مع الدولة اللبنانية كإنشاء مطار ثانٍ، والعمل على إنشاء شركة اتصالات ثالثة والعمل على اتفاقيات لآبار الغاز.
في مقابل إصرار الدولة القطرية ورغبتها بمشاركة لبنان في مشاريع عدة، لم يُلمس ذلك لدى المملكة العربية السعودية. وكل ما يحكى عن مشاريع واستثمارات لإعادة الإعمار هو حبر على ورق حتى الساعة. إذ إن عودة الاستثمار السعودي مرهون بزيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى المملكة لتوقيع 22 اتفاقية ومنها ما يقضي برفع الحظر عن عودة السياح السعوديين إلى لبنان، ورفع حظر تصدير المنتجات اللبنانية، انطلاقاً من بسط الدولة سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة. من هنا دعا رزق رئيس الجمهورية المعروف برصانته بقيادة المؤسسة العسكرية، إلى أن يفرض سلطته ويشكل مع الرئيس المكلف نواف سلام الحكومة المنشودة، لما في ذلك من مصلحة للبلد واقتصاده. وقال رزق إنه لا يمكن إعادة النمو إلى 11% ما لم تتحقق الإصلاحات المطلوبة والتشديد على معادلة استقرار فاستثمار فازدهار. ولم تبخل دول الخليج تاريخياً على لبنان. فعلى مدار السنين، قدمت الاستثمارات والمساعدات، أكانت طبية خلال جائحة كورونا، أو مساعدات بعد انفجار مرفأ بيروت وإعادة إعمار لبنان عام 2006 .كما ساهمت بقروض ميسرة وودائع في المصارف لتكون السند الداعم للبنان في محنه. واليوم تعود هذه الدول لتؤكد مرة جديدة وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني ورئيسه إنما بشروط مغايرة.
يحصي اقتصاد لبنان خسائره. وينتظر إعادة الإعمار وفق أرقام تتجاوز تقديرات البنك الدولي البالغة 8،5 مليار دولار. بينما التكلفة الحقيقية تتجاوز الـ 12 مليار دولار خسائر في القطاعات كافة . فهل سيلتزم "حزب الله" شروط المجتمع الدولي ليتمكن لبنان من إعادة إعمار الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك