كتب نايف عازار في "نداء الوطن":
لم تكد ساعات قليلة تمرّ على إعلان وفاة النظام السوري البائد، غير مأسوف على إجرامه، حتى تحرّكت الآلة العسكرية الإسرائيلية صوب جبل الشيخ الاستراتيجي لتستولي عليه، إلى جانب مواقع أخرى في الجولان السوري. التحرّكات الإسرائيلية هذه أعقبت "نعي" رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتفاق "فضّ الاشتباك" الموقّع مع سوريا عام 1974، وإصداره أوامر لجيشه بإحكام قبضته على المنطقة العازلة والتي تبلغ مساحتها حوالى 235 كيلومتراً مربعاً وتنتشر فيها قوات "أندوف" التابعة للأمم المتحدة. بيد أن تل أبيب لم تكتف بذلك، بل عمدت إلى شن سلسلة غارات مستهدفةً القدرات العسكرية للجيش السوري في مختلف المناطق، والأسلحة "الاستراتيجية" التي كانت بحوزته.
وقد اجتمعت عوامل عدة وهواجس دفعت بـ "العقل الإسرائيلي" إلى خوض غمار حرب من "طرف واحد" مع سوريا، الخارجة من سطوة الأسد إلى أحضان معارضة تلبس ثوب الإسلاميين، ولم يتّضح خيرها من شرّها بعد. وأذكر هنا بعض أبرز هذه العوامل:
- تخلّف النظام السوري قبل سنوات عن التخلّص من كامل ترسانته من الأسلحة الكيماوية، ما أثار غضب الدول الأعضاء في "منظمة حظر الأسلحة الكيماوية"، وبذلك نكث الأسد بعهده ونقض في حينها اتفاقاً أميركياً - روسياً سمح بتفادي ضربات عسكرية أميركية على أهداف في سوريا.
- توجّس تل أبيب من فترة فوضى تعقب أي ثورة، وتحديداً في الدول الخارجة من "ديكتاتوريات مارقة"، إذ يُمكن أن تطال شظايا هذه الفوضى الدول المجاورة، خصوصاً العدوّة منها.
- قلق الدولة العبرية من الغموض الذي يكتنف تشكيل السلطة الجديدة في سوريا، على عكس النظام السابق الذي كان يحمي حدودها ويطمئنها لعقود مضت، وهي بدورها كانت تحمي هذا النظام ضمناً، إلى حين تحوّل سوريا إلى خط رئيسي لتدفق السلاح من إيران إلى "حزب الله".
- إسرائيل لا تحتاج أصلاً إلى أعذار لخوض حروب، ووجدت في تفوّقها التكنولوجي في حربَي غزة ولبنان، فرصة مؤاتية لضرب سوريا وإنهاك "محور إيران".
- المقاتلات الإسرائيلية كانت تقصف سوريا منذ سنوات، وكان النظام المخلوع يتوعّد بالردّ في "الزمان والمكان المناسبَين"، إلّا أن هذا الردّ لم يأتِ قطّ.
واقع أمني غير مسبوق
في غضون ذلك، لم يغب الإعلام العبري عن حدث التدمير الممنهج للقدرات العسكرية السورية، وعن تمركز الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية. فالكاتب في "يديعوت أحرونوت" يائير كراوس تفاخر بأن جيش بلاده على "الجبل" ورأى أنه يحظر على الجيش ونتنياهو النزول عنه مجدّداً، لأن احتلال جبل الشيخ السوري ونقاط أُخرى حيوية للدفاع عن الجولان، على امتداد الحدود في المنطقة العازلة داخل مناطق النظام السوري السابق، هو أكثر من عملية ضمّ أراضٍ موضعية أو "صورة نصر"، بل هو حدث استراتيجي، يستغلّ واقعاً أمنياً وسياسياً غير مسبوق منذ خمسين عاماً.
بدوره، الكاتب في "هآرتس" ألوف بن، تساءل إلى متى ستسيطر إسرائيل على التوسّع في الجولان؟ وماذا سيحدث في حال تزايدت الفوضى داخل سوريا وتسلّلت إلى إسرائيل؟ هل سيبقى الجيش في المواقع عينها، أم سيتقدّم أكثر نحو دمشق لتوسيع الحزام الأمني؟ وبحسب الصحافي الإسرائيلي، فإن نتنياهو يريد أن يذكره التاريخ كمن حقّق فكرة "إسرائيل الكبرى"، وليس فقط كمتّهم بالفساد ولاعب سياسي ترك 100 مخطوف في غزة. لذلك، فإنه سيحاول التزام سيطرة إسرائيل على شمال غزة، ولن يسارع إلى الانسحاب من المناطق الجديدة التي احتلّها في الجولان، والتي يمكن أن تتوسّع بسيناريوات معيّنة.
بين العنف و"قصر النظر"
في المقابل، المستشرق الإسرائيلي درور زئيفي كتب في الصحيفة عينها أن بلاده تتصرّف بعنف و"قصر نظر"، فهي تحتلّ أراضيَ، وتضع نفسها من البداية في موقع معادٍ لسوريا، بدلاً من تهنئة قادة إسرائيل الشعب السوري على إطاحة النظام، وإعلان غبطتهم بإقامة علاقة سلام وأُخُوَّة معه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك