يبدو أن المعضلة الحكومية التي تضرب لبنان لا تزال مستمرة لأن كل الأسماء التي تُطرح لتولّي رئاسة الحكومة تُحرق، فيما تغيب المبادرات الجدّية للخروج من الأزمة.
وما يُثير المخاوف أكثر هو دعوة عدد من الكتل السياسية الفاعلة إلى تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، ما يعني أن الأزمة طويلة، وأن لا ولادة حكومية في القريب العاجل.
وتتقاطع هذه المعطيات مع تأجيل قصر بعبدا المستمر موعد الإستشارات النيابية المُلزِمة بعد تعذّر الإتفاق على اسم رئيس حكومة جديد. وعلى رغم إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أنه لا يريد العودة إلى السراي الحكومي، إلا أنه يبقى المرشّح الأوفر حظاً نتيجة رغبة الثنائي الشيعي بعودته وإصرار فريق العهد على أن يكون الرئيس الجديد للحكومة يحظى برضى الحريري إذا أصرّ الأخير على موقفه برفض العودة. وفي حين تبدو العوامل الداخلية غير مُسهّلة لولادة الحكومة، إلا أنّ الخارج مُهتم بما يحصل حتى لو قرّر عدم التدخل في الوقت الراهن.
وفي السياق، علمت "نداء الوطن" أن الإهتمام الأوروبي بالملف اللبناني لا يقتصر فقط على فرنسا وبريطانيا بل إن ألمانيا مهتمة أيضاً بما يحصل في الداخل اللبناني من تطورات وأحداث، وهذا الملف ليس محصوراً بدولة أوروبية واحدة. واللافت أيضاً حسب المعلومات أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتابع التفاصيل اللبنانية خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، وتؤكّد أمام زوارها أنها ترغب بتقديم كل أنواع الدعم للبنان لكن هذا الدعم مشروط بالإصلاحات وبتأليف حكومة جديدة تبدأ المسيرة الإصلاحية التي يُطالب بها الشعب اللبناني والمجتمعان الأوروبي والدولي.
وتُبدي ألمانيا حرصها على أمن لبنان واستقراره، وتأتي عوامل الإهتمام الألماني بالوضع اللبناني نتيجة نقاط عدّة أبرزها أن ألمانيا هي عضو فاعل في الإتحاد الاوروبي، والإتحاد يتابع أدق التفاصيل اللبنانية ويسعى إلى حلّ الأزمة.
من جهة ثانية، تُعتبر برلين من أكبر الدول التي تُقدّم دعماً مالياً واقتصادياً للبنان، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على مؤتمر "سيدر 1" بل يتعدّاه إلى محطات كثيرة وقف فيها الطرف الالماني إلى جانب الدولة اللبنانية.
إلى ذلك، ينبع إهتمام ألمانيا بأزمة لبنان من إهتمامها بأزمات دول الجوار، إذ إن برلين ونتيجة القوة الإقتصادية التي تملكها حاولت مساعدة دول عدّة مثل اليونان التي تقترب أزمة لبنان من أن تشبهها، وبالتالي فإن الألمان على استعداد لتقديم الدعم الفوري للبنان شرط تأليف حكومة والإنطلاق بورشة إصلاحات.
وتتحرّك ألمانيا تجاه ما يحصل في لبنان إنطلاقاً من موقعها الكبير والمهم داخل الإتحاد الأوروبي وهي لا تحبّذ أن تتحرّك بشكل فردي خارج الإطار الأوروبي الجامع.
وتعرف برلين جيداً ومعها عواصم أوروبية مدى النفوذ الأميركي في لبنان، لذلك هناك حرص أوروبي على التنسيق مع الأميركيين في أي خطوة ممكن ان تُتّخذ في وقت قريب، والتوجّه العام لدى الإتحاد الأوروبي هو دراسة كل الخطوات بتأنٍّ.
وأمام محاولة التحرّك العربي الذي حصل، وتمثّل بزيارة نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي إلى بيروت، يبدو أن لا مبادرة خارجية جدّية بالنسبة إلى الأزمة اللبنانية، حيث أن الثورة ماضية في خطّتها وعدم الخروج من الشارع قبل تحقيق المطالب، فيما السلطة السياسية لا تزال تصمّ آذانها عن سماع صوت الناس الثائرة والتي خرجت إلى الشوارع والطرقات والساحات للمطالبة بأبسط حقوقها.
ويُعتبر مطلب الإصلاح داخلياً بامتياز، إذ إن الدولار الذي واصل إرتفاعه وتخطّى عتبة الـ 2200 ليرة يكوي الشعب، فيما فاتورة كل يوم تأجيل لولادة الحكومة ستكون مكلفة جداً، وبانتظار تحرّك خارجي كبير، يُطرح سؤال عمّا إذا كانت المانيا ستحرّك ماكيناتها تجاه أزمتنا بغية الوصول إلى حلّ، أو ان الأمر سيقتصر فقط على التمنّيات؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك