لا يقتصر أنين اللبنانيين جراء الازمات الاقتصادية والاجتماعية ومعاناة القهر وقوافل الذل امام محطات المحروقات والافران، على الشارع الذي لم يعد على ما يبدو عملة رائجة لتحصيل الحقوق والمطالب، فأصداؤه بلغت، الى كبار المسؤولين السياسيين في الدولة، مراجع روحية لم تعد تتوانى عن المجاهرة بانتقاد ممارسات السلطة والسياسيين والاشارة اليهم بالاصبع منتقدين سياسة تجويع اللبنانيين الناجمة من الفساد والسمسرات والصفقات التي ترتكب "باسمهم" باعتبارها خدمة للمصلحة العامة.
في السياق، ينقل زوار مرجع ديني عنه قوله انه لم يكن يتمنى ان يعيش حتى لحظة تأتيه عائلات ترزح تحت خط البؤس والفقر المدقع وتضطر للدوس على كراماتها طالبة المساعدات لتأمين لقمة الخبز لأولادها، وهي كانت حتى الامس القريب تعيش ميسورة اذا لم تكن في بحبوحة.
والى القوت اليومي لهؤلاء، اضيف اخيرا هم ّالأقساط المدرسية وتأمين اسعار الأدوية، التي يؤكد المرجع كما نقل الزوار لـ"المركزية"، معاناته من اجل معالجة الحالات الإستشفائية على تنوعها، ملمحاً بصوت خافت لا يخلو من الأسى الى "عدم وجود، لا بل فقدان من يقبل بتدني ارباحه، حتى في المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد ويعاني منها العباد". ومن دون ان يسمي أحدا، يلفت الى انه استقبل احدهم قبل فترة جاء يشكو تراجع ارباحه بعض الملايين من الدولارات، على رغم االثروات الهائلة التي جناها في السنوات الماضية وحجم التوسع في اعماله.
وأضاف ممتعضا: "حدثني ضيفي يومها عن الخسائر التي يتكبدها والتي يمكن ان توفر الأدوية والخبز ولقمة العيش لحوالى 500 عائلة في الشهر إن لم يكن اكثر بقليل". ولم يرد "ان يفهم دعوتي الى الصبر الى أن يأتي الفرج.... فالدنيا يوم لك ويوم عليك"، مضيفا عندها اضطررت الى شرح الواقع الذي تعيشه بعض العائلات اللبنانية وسألته إن كان يعرف ما يجري داخل الجدران المقفلة في بعض الأحياء والمدن"... فرد بايماءة رأس خفيفة، وفضل ان يغير الموضوع ليتحدث "عما يجري في لبنان والمنطقة وما يستشرفه للمستقبل وما يمكن ان يكون عليه الوضع في سوريا ودول الجوار وكيفية معالجة قضية النازحين السوريين وصولا الى الأزمة المحتملة في اسواق النفط بعد عملية "أرامكو".
عند هذا الحد، توقف المرجع الروحي عن الكلام في اوضاع الناس، ليتناول آفاق المرحلة وما ينتظر لبنان واللبنانيين من مصاعب واستحقاقات قد ينوء تحتها الأقوياء. واستطرد ليلفت الى تجاهل المسؤولين اللبنانيين الكثير مما يهتم به الغرباء قبل اللبنانيين، كاشفا مضمون لقائه مع أحد الدبلوماسيين الذي جاءه قبل فترة واضعا امكانات سفارته وحكومته "الفقيرة" نسبيا بتصرفه وما يمكن ان يقدمه ببضع عشرات الآلاف من الدولارات. وكل ما تمناه، وضع جدول بالقضايا الملحة ليبرر صرف كل "سنت". فلديه اجهزة مراقبة متشددة تحاسبه في كل شيء يقوم به في لبنان، إلا في المساعدات الإجتماعية والإنسانية وخصوصا التربوية منها والإستشفائية وتحديدا الأمراض السرطانية والمزمنة، فلدى بلاده صناعة ادوية متطورة للغاية ويمكنه تقديم الدعم الذي يستأهله اللبنانيون الذين استضافوا مئآت الألاف من النازحين السوريين بعد الفلسطينيين والعراقيين.
في "فم المرجع الروحي بحسب الزوار ماء كثير"، ولكنه يتريث في اطلاق مواقفه، فادراجه مليئة بالمعلومات والشكاوى التي تعاظمت بحق بعض الشركات الكبرى ورجال الأعمال من وجهاء البلد ومعهم كبار الموظفين الذين لا يمكن ان يبرروا ما لديهم من ثروات، إن تقدموا من المراجع المعنية في نهاية الخدمة في ما يقول به قانون "الإثراء غير المشروع". فهم مدمنون على جمع المال من دون النظر الى مصدره، والشكاوى عارمة في الدوائر والقطاعات التي يشرفون عليها ويديرونها.
وقبل ان يقفل الجدل بين المرجع وزواره، اعاد التذكير باعترافات اكثر من مسؤول بأن البلد ليس مفلسا، انما منهوب. ولو توقفت اعمال النهب والسرقة، واكتفى البعض بأرباحه المقبولة، وترك من اليوم وصاعدا مال الدولة للدولة وما للخزينة للخزينة، لاستقر الوضع المالي والنقدي في غضون اشهر وليس سنوات. فهل يتحقق ذلك يوما في دولة تنتظر ساعة القيامة... كيف ومتى؟!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك