بين استحقاق الانتخابات النيابية و"معاناة" الولادة الحكومية، وما بينهما التوجّس الدائم من خضّة أمنيّة تستغلّ هشاشة الوضع الداخلي سياسياً وإقتصادياً ومالياً، حافظ "المؤشر الأمني" طوال العام المنصرم على "مناعة" عالية بدا أن لجهد الأجهزة الأمنية "الفضل" الأكبر فيه أكثر بكثير ممّا يُعرف بـ "القرار الخارجي" بإبقاء لبنان في دائرة الآمان.
في المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده إثر ترؤسه إجتماع مجلس الأمن المركزي الاستثنائي في 20 الجاري، أشار وزير الداخلية نهاد المشنوق الى "التجربة الناجحة للجنة التنسيق الدائمة بين الأجهزة"، معتبراً "أنها كانت تجربة ناجحة حقّقت لبيروت ولبنان أماناً غير مسبوق، عبر إعتماد الأمن الوقائي ومنع حصول عمليات إنتحارية، ما جعل لبنان من دول العالم الأكثر أمناً، ومن دول قليلة نجحت في تنفيذ عمليات إستباقية، سواء عبر "شعبة المعلومات" أو "مخابرات الجيش" أو "الأمن العام".
كان يفترض بعد الإعلان "الرسمي" لوزير الداخلية بأن لبنان لا يزال في منطقة الآمان بفضل جهود أجهزته الأمنية والتنسيق بينها، مع العلم أن "التجربة" أثبتت أن هذا التنسيق محكوم بالتنافس الدائم و"التمريك" المتبادل على بعض، أن تكون الحكومة قد ولدت، وأن يشرف وزير الداخلية الجديد على غرفة العمليات المشتركة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية "لمنع حصول أي عمل أمني يهدّد أماكن العبادة وأماكن السهر"، كما قال المشنوق نفسه. لكن هذا ما لم يحصل.
فالحكومة، المُستنزفة بتصريف الأعمال وبالوقت "القاتل" الفاصل عن مجيء "خليفتها"، هي التي ستسهر على أمن اللبنانيين في فترة الأعياد، وربما ستواكب الى أجل غير مسمّى "القرار الدولي الاقليمي"، ما غيره، في إبقاء لبنان في دائرة الآمان في وقت يحذّر فيه سياسيون ورجال إقتصاد وخبراء بإستمرار من خطورة إنهيار الوضع المالي بأي لحظة!
والحكومة نفسَها بَدت كمنّ "يصرّف الأعمال" في مواجهة حركات الشارع الاعتراضية، فكانت الكلمة الحاسمة للأمن على الأرض من خلال منع الشغب بعد خروج الحراك السلمي عن الضوابط الموضوعة له.
لم يمنع ذلك من حصول تبادل للرسائل من جانب طرفين في تظاهرة 23 كانون الأول: من تقصّد حرف التحرّك الشعبي المحق والمشروع، لا بل المتأخّر، عن مساره، من خلال أعمال شغب أساءت الى صورة الحراك، ومن واجه كسر القانون بـ "تلقين الدروس" تحت عنوانين أساسية تلتزم بها المؤسسة العسكرية: مهمة الجيش الأساسية حماية المؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة وأمن المواطنين، والجيش لا يتهاون مع أي مخلّ بالأمن أو مندسّ بين المتظاهرين الذين يحاولون حرف التحرّكات المطلبية عن مسارها الحقيقي، بهدف النيل من هيبة القوى الأمنية وإثارة أجواء الفتنة والفوضى".
ومن الآن حتى "تنفيس" الاحتقان الشعبي، عبر ولادة الحكومة أو بإجراءات تخفّف عن كاهل المواطنين عبء أزمات باتت ضاغطة الى حدّ الأختناق، إنصرفت معظم الأجهزة الأمنية الى متابعة عملها الروتيني في رصد النشاطات الإرهابية، التي باتت محصورة بأسلوب العمل الفردي غير المنّظم، تحت عنوان الأمن الاستباقي.
ومنذ دخول الحكومة مدار تصريف الأعمال إنعقد المجلس الأعلى للدفاع ثلاث مرات فيما بدا النشاط الأمني و"جدول أعمال" الأجهزة الأمنية منفصلاً تماماً عن الوضع السياسي والاقتصادي الهشّ والخلافات بشأن تأليف الحكومة.
عنوان الأمن الاجتماعي تجلّى بشكل أساس من خلال المتابعة الحثيثة للجيش في تنفيذ الخطة الأمنية التي طال إنتظارها في أوكار "دويلة الخارجين عن القانون" في منطقة بعلبك-الهرمل بالتزامن مع ما تردّد عن رفع الغطاء السياسي عن جميع المرتكبين والمخلّين بالأمن في البقاع الشمالي الذي لا يزال يعاني بعد إقتلاع الجيش الإرهاب من جروده من "إرهاب داخلي" يوازيه خطورة الأمر الذي أسفر عن توقيف رؤوس كبار بينهم ماهر طليس وعلي راوي مظلوم ومداهمة منزل علي زيد اسماعيل وتوقيف 16 لبنانياً و25 سورياً ومقتل ثمانية أبرزهم علي زيد اسماعيل، ودهم منزل في الشراونة أدى الى مقتل عدد من المطلوبين بينهم جوزف حمدان الملقب بـ "علي جعفر" والمطلوب بـ 200 مذكرة توقيف والمتورط مع عصابته بأعمال جريمة متعددة.
وتمكّنت مديرية المخابرات أيضاً من توقيف عدد من المتورطن بأعمال إرهابية وإعتداء على مراكز للجيش في عرسال وعكار وعين الحلوة ووادي خالد وإحالة خلايا إرهابية الى القضاء بينها تلك المرتبطة أمنياً بالقيادي في "جبهة النصرة" عبد الرحمن زكريا الحسن الموجود في أدلب. تزامن ذلك مع جهوزية تامة للجيش على الحدود بداية العام مع إعلان إسرئيل عن بناء الجدار الحدودي الفاصل بوجود 13 نقطة نزاع حدودية مع الأراضي المحتلة، ونهايته مع إعلانها عن وجود أنفاق لـ "حزب الله" بإتجاه الداخل الاسرائيلي حيث إتخذ الجيش كل الإجراءات اللازمة والرادعة بالتنسيق مع قوات "اليونفيل".
وأبقت المديرية العامة للأمن العام من جهتها على أولوية مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد إنشاء "قوات نخبة" متخصّصة في هذا المجال، ومواجهة شبكات تجسّس العدو ضمن إطار تكريس معادلة "الأمن السياسي" وواقع أن "المديرية" باتت تلعب دوراً أكبر بكثير من الساحة اللبنانية. وبين الأمن والإدارة وأولوية مكافحة الارهاب لا يزال اللواء عباس ابراهيم يلعب دوراً "نوعياً" مستمراً منذ سبع سنوات في تفكيك ألغام الداخل، الوجه الآخر للاستقرار السياسي. مع العلم أن لا يزال ممسكاً بملف المخيمات الفلسطينية وما يحتويه من تعقيدات و"نقاط ساخنة".
عملياً، لا يزال الداخل اللبناني ينعم بـ "مفاعيل" خسارة "داعش" الارض ومناطق نفوذها في المنطقة ولبنان، ما أدى تلقائياً الى التخفيف من فعالية القسم الخارجي لعملياتها، حيث إرتكزت الاستراتيجية الجديدة للتنظيم في دفع عناصرها الى تنفيذ عمليات فردية وفق المُتاح من "أسلحة"، فتقدّم الأمن الوقائي الاستباقي على جدول أعمال الأجهزة الأمنية.
وفي هذا الإطار سجّلت "شعبة المعلومات" أكثر من إنجاز هذا العام حيث تمكّنت في كانون الثاني المنصرم من القيام بهجوم مضاد من خلال اختراق "داعش" بمخبر تمّ تجنيده حيث تمكّن من التواصل مع "أبو جعفر العراقي"، فشكّل طعماً أدى الى استدراج القيادي العراقي الى لبنان الذي كشف آنذاك عن رغبة "داعش" بالقيام بعمليات، وتكليفه ببناء هيكلية لعمل خلايا "داعش" فيه، بما في ذلك تنفيذ مخطط لتنفيذ عمليات إنتحارية خلال ليلة رأس السنة. وبعد توقيف "ابو جعفر" جنّد بدوره لاستدراج آخرين في قيادة "التنظيم".
وإضافة الى عشرات العمليات الامنية الاستباقية، وآخرها توقيف ه.س المرتبط بـ "داعش"، والذي كان ينوي تنفيذ عمليات إرهابية ضد عناصر وحواجز للجيش في الشمال، واستهداف كنيسة، وتوقيف "داعشي" قاصر في عكار من مواليد 2002 كان ينوي تنفيذ عملية إرهابية لدى مرور دورية للجيش، أعلن المشنوق في مؤتمر صحافي الشهر الفائت عن إحباط "المعلومات" مخططاً إرهابياً داعشياً كان يستهدف القيام بتفجيرات إرهابية تطاول أماكن العبادة وأمن اللبنانيين في "يوم الانتخابات" وإستهداف حواجز للجيش، وذلك من خلال تجنيد مخبّر تمكّن خلال عام كامل تقريباً من التواصل مع قياديين "داعشيين" في إدلب إكتسب ثقتهم وتمكّن من كشف مخططاتهم الإرهابية على الاراضي اللبنانية في ما عرف بعملية "الجبنة القاتلة"!
أما في مجال مكافحة التجسس، فبرزت عملية نوعية غير مسبوقة لـ"المعلومات" من خلال الكشف في مدة قياسية لم تتجاوز ثلاثة أسابيع، عن الهوية الكاملة للمتورطين الأربعة (لبنانيين وإسرائيليين) مع تحرّكاتهم بالصور والوقائع في محاولة اغتيال القيادي في "حماس" محمد حمدان في صيدا في 14 كانون الثاني الفائت، مع العلم أنه تمّ استرداد اللبناني محمد حجار المرتبط بالموساد من تركيا في عملية أمنية دقيقة بعد توقيفه هناك بناء على معلومات "الشعبة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك