كان كل شيء معدا لإعلان ولادة الحكومة عشية عيد الميلاد وان تمت الولادة بعملية قيصرية.
كان ذلك منتظرا أن يحصل يوم السبت الماضي، وكان قصر بعبدا ينتظر وصول الرئيس المكلف سعد الحريري وقبله الرئيس نبيه بري ليُصار الى إصدار المراسيم.
ولكن حصل ما لم يكن متوقعا وتكرر الشيء نفسه الذي حصل نهاية شهر تشرين الأول الماضي عندما سقطت التشكيلة الحكومية في اللحظة الأخيرة.
وبدل أن يزف الخبر الى اللبنانيين، حصلت تطورات سياسية دراماتيكية وسريعة، بدأت صباحا مع سحب «اللقاء التشاوري» السني اسم جواد عدرا لتمثيله في الحكومة، إذ يريده أن يكون ممثلا حصريا للقاء، وهذا ما لم يقبله لا عدرا ولا الرئيس ميشال عون.
ثم كانت زيارة للرئيس سعد الحريري الى عين التينة حيث التقى الرئيس نبيه بري وكان اللقاء خاطفا ومتوترا ولم يدم أكثر من ربع ساعة ولم تكن حصيلته إيجابية.
خرج الحريري من اللقاء مقتنعا بأن الحكومة «طارت» ولم يعد من إمكانية لأن تولد قبل الأعياد، ولم يجد الحريري للتعبير عن إحباطه إلا الالتزام بالصمت والاعتذار عن حضور «الريسيتال الميلادي» في قصر بعبدا، وحيث كانت أجواء الانهيار الحكومي أرخت بظلالها على هذا الحفل وبدا الرئيس عون متجهما ولم يكن أمامه إلا الاعتراف بأن الوضع بات صعبا، ولكنه استدرك «ليس هناك من وضع صعب إلا وينتهي، وما من وضع سهل لا ينتهي»، قائلا «هذا ما علمتني إياه الحياة»، مشددا على أن المطلوب أن نبذل جهدا أكبر لكي نخلص وطننا ونوصله الى شاطئ الأمان.
بعدما خرجت عن السيطرة السياسية، خرجت الأزمة في اليوم التالي الى الشارع.
التحرك عنوانه مطلبي ويبدو مشروعا ومبررا تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ولكن الشبهات السياسية حامت حوله، ان لجهة التوقيت الذي كان يستطيع أن ينتظر انتهاء الأعياد، أو لجهة هوية الجهات المتحركة في الشارع والمناطق مسرح التحرك، أو لجهة جنوح هذه التحركات الاحتجاجية الى العنف وتطورها الى صدامات بين المتظاهرين والجيش وقوى الأمن.
الواضح الآن أن عملية تشكيل الحكومة عادت خطوات الى الوراء، إن لم يكن الى نقطة الصفر، فإلى المربع الذي كان فيه نهاية اكتوبر الماضي عندما اصطدمت بـ «العقدة السنية»، محركات التأليف تم إطفاؤها وفترة الأعياد تحولت الى «فسحة للتأمل» ومراجعة الحسابات. ولكن الأزمة الحكومية، ومن دون نفي التأثيرات والضغوط الخارجية عليها، تعود الى أسباب وعوامل داخلية بالدرجة الأولى.
وهذه الأزمة كشفت عن أشياء كثيرة، بدءا من الخلل الموجود في تطبيق «دستور الطائف» ويدل الى أن هناك في العمق «أزمة نظام» ولكن أهم ما انكشف في خلال هذه الأزمة وبسببها هو وجود خلل في العلاقة بين الرئيس ميشال عون وحزب الله.
هذا الخلل كانت عناصره تتجمع منذ وصول عون الى قصر بعبدا والتغيير الذي طرأ على موقعه ودوره مقابل تغيير حصل في إستراتيجية حزب لله السياسية في إطار التحضير لمرحلة ما بعد سورية.
من الواضح أن رئيس الجمهورية وحزب الله لم يكونا طوال فترة تشكيل الحكومة على موجة سياسية واحدة، وهذا ما يفسر إطالة أمد أزمة التأليف، والآن حزب الله ليس راضيا ولكنه يصوب على رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ويحيد رئيس الجمهورية، والرئيس ميشال عون ليس راضيا، لا بل هو مستاء وغاضب لأن ما يحصل، من تأخير الحكومة الى تحريك الشارع، يصيب عهده أولا ويلحق به الخسائر التي تطول مجمل الوضع والبلاد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك