إن أردتم منع فيلم... فامنعوه! ولكن اعلموا أنّكم لن تمنعوه إلّا عن أنفسكم، فعصرنا اليوم أيّها السادة أتاح للجميع، نعم للجميع، أن يشاهدوا ما يريدون ويحصلوا على ما يريدون متى أرادوا.
أحزنني فعلاً اتّخاذ لجنة الرقابة على الأفلام في المديريّة العامة للأمن العام، قراراً برفع ملف فيلم The Nun الى وزير الداخلية للبتّ بقضية عرضه أم منعه، بحجّة أنّه يتعرّض الى الديانة المسيحيّة.
قرار يشبه غيره الكثير من القرارات، التي تقضي على الحريّة الفكريّة والإبداعيّة بسبب قوانين وضعت في العام 1947، ولم يطرأ على الكثير منها تعديلات تتماشى مع التطوّر العلمي والفكري والمعلوماتي.
أتعسني هذا الخبر الذي "هيّج" الشارع اللبناني من مطّلعين وغيرهم ضدّ الكنيسة، التي لا علاقة لها بالأساس في هذا الموضوع! فمنذ متى والكنيسة تتدخّل بالأمور الأرضيّة التي تنبت في ليلة وتضمحلّ آثارها في ضحاها؟ فالخطأ ليس على الكنيسة كما يحاول البعض أن يشير إليه، إنّما في عدم تطوير القوانين القديمة التي تسمح للجنة المراقبة أن تمنع أفلاماً باعتقادها أنّها تمسّ بدين معيّن، بهدف حماية المؤمنين من "أفكار الغرب" التي تريد تدمير مجتمعنا "الشرقي المثقّف والحضاري والمتطوّر"!
ينصّ القانون في أحد مواده المتعلّقة بالرقابة على الأفلام، أنّه "على كل عمل سينمائي ألّا يعرض المشاهد والتعبيرات التي تمسّ الآداب والأخلاق العامة وتخدش الحياء العام، مع مراعاة مبدأ احترام القيم الدينيّة والأخلاقيّة للمجتمع اللبناني المتنوّع، ومنع كلّ إساءة للمعتقدات والقيم، ومراعاة الاعتبارات المتّصلة بالأمن الوطني اللبناني ومصالح الدولة وعلاقاتها بالدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى احترام عمليّة تصنيف الأشرطة المعدّة للعرض والفئات العمريّة التي يسمح لها بمشاهدتها".
لا شائبة في النص المذكور، لكنّ "المصيبة" في كيفيّة تطبيقه. فلماذا منع فيلم The Nun على سبيل المثال في لبنان لأنّه يروي قصّة خيالية في تحقيق بوفاة راهبة، يتبيّن لاحقاً أنّ سببه تدخّل شيطاني؟ لماذا منعه في الصالات اللبنانيّة وقد بدأ عرضه في الدول العالميّة، ودول عربيّة عدّة؟ هل العقدة في صورة الراهبة التي لا تجسّد الراهبات المسيحيّات في الحياة الحقيقيّة، أم في القوانين التي لا تطبّق إلّا بـ "عقول مقفلة"؟ هل الخطورة في مشاهد الفيلم الذي سننساه بعد ساعات، أم في السجن الجديد الذي تسوقوننا إليه؟
وإلى هذه اللجنة المنوطة بالحفاظ على القانون، أودّ لفت انتباهها الى أنّنا اليوم في عصر المعلوماتيّة غير المقيّدة، فإن أردتم منع عرض فيلم في صالة في بلد كانوا يأتون إليه جيراننا لتنفّس الحريّة وهوائها، فهناك ألف طريقة لمشاهدته من خلال تطبيقات تزوّدنا بأحدث الأفلام مجاناً حول العالم. فاطمئنّوا... سنشاهده!
فكفّوا "بقا" عن هذه التفاهات بحججكم غير المنطقيّة، واعلموا أنّكم تستطيعون أن تقيّدوا منبراً، وليس فكرةً.
توقّفوا عن هذه الضغوط بحجة الاديان، فنحن لسنا بأغبياء! وهل منع فيلم في السينما سيحمي اللبنانيّين من فساد أميركي أوروبي كما تصفوه، أم أنّ قراراتكم هي التي ستقتل حبّات الحنطة في قلوب من يسمع لكم ويتأثّر بكم؟
أرجوكم، كفّوا عن استغلالنا باسم الدين، لفرض ضوابط جديدة لن تقدّم... بل تؤخّر!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك