فيما يغادر الرئيس المكلف سعد الحريري لبنان مرة جديدة في الساعات المقبلة، في رحلة ستقوده الى مدريد فلندن، تستمر حتى مطلع الاسبوع المقبل، تُركت "أوراق" التأليف الحكومي مرمية على الطاولة المحلية، بتبعثرها وفوضويتها، من دون ان تتمكن الاتصالات والمشاورات في الايام الماضية على أكثر من خط، وأبرزها بين بيت الوسط وميرنا الشالوحي، من ترتيبها او تنظيمها ولو بالحد الادنى. فالمراوحة السلبية سيدة الموقف حتى الساعة، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة على مسار التأليف لـ"المركزية"، وأي تقدم لم يتم إحرازه. ومع أنها تتوقع ان يقوم الرئيس المكلف بعيد عودته من الخارج، بوضع مسودة حكومية جديدة يحملها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتشاور فيها، لا يبدو ان "الفرج" قريب، بل ان التعقيدات المتعلقة بالحصص والاحجام من جهة وبالصلاحيات من جهة ثانية، وبالخيارات السياسية والاستراتيجية التي ستنتهجها الحكومة العتيدة من ناحية ثالثة، تبدو كلّها آيلة الى تفاقم، في ضوء المواقف التي سجلت في الايام الماضية: فرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل رفع السقف مجددا بتحذيره من ان مهلة تأليف الحكومة "بدأت تنتهي بالنسبة الى جميع الناس الذين بدأ صبرهم ينفد وأنا منهم"، لافتاً الى "اننا سكتنا شهرين وتحمّلنا اتهامات زور".
وفي وقت أكد ان الحل والربط ليس في يد تياره، غامزا من قناة ضرورة حزم الرئيس المكلف أمره، صوّب ايضا على القوات، قائلا انني أبلغتها "رسمياً ومباشرة مرات عدة "تعليق "اتفاق معراب"، منذ بدأوا هجومهم السياسي علينا داخل الحكومة وفي الاعلام، وعندما أخلّوا هم به سياسيا". وقد أوحى هذا الكلام بأن الأجواء لاجتماع حكومي "حاسم" بين الحريري وباسيل لم تنضج بعد، وبأن التيار البرتقالي غير موافق حتى الساعة على إعطاء القوات الحصة الوزارية التي تطالب بها كمّاً ونوعاً، في حين تصر الاخيرة عليها وقد أكدت اوساطها اليوم الامر بقولها ان تحجيم الحزب "لن يتحقّق لا اليوم ولا بعد ستةِ أشهر، وبالتالي لا حاجة لتأخير التأليف الذي لن يبدّلَ بالوقائع الانتخابية الدامغة"..
بدورها، العقد الدرزية والسنية ومسألة تمثيل كتل أخرى كالتكتل الوطني على حالها، ويُضاف الى هذا المشهد مناخ مشدود بين بعبدا وبيت الوسط، بسبب محاولة الرئاسة الاولى فرض دور وازن لها في الحكومة، ليس فقط في تأليفها بل في حصّتها الوزارية فيها، ايضا، بحسب المصادر. ومع ان الرئيس المكلف طمأن ويطمئن الى ان لا نزاع حول الصلاحيات، وقد أكد امس "ان علاقتي مع فخامة الرئيس لا تخضع للتشكيك والتأويل، وهي أقوى من أن تهزّها مقالات وتحليلات وتمنيات"، مضيفا "إذا كان هناك من يراهن على تخريب العلاقة بيني وبين الرئيس ميشال عون، فهو واهم" معتبرا ان "البعض يتلاعب على موضوع الصلاحيات، من باب المزايدة تارةً على رئيس الجمهورية وتارةً أخرى على الرئيس المكلف. لكن الدستور واضح وضوح الشمس وهو الحد الفاصل في مقاربة أمور الصلاحيات"، فإن المواقف التي صدرت وتصدر عن الشخصيات والمرجعيات السنية السياسية والروحية، وآخرها عن مفتي الجهمورية الشيخ عبداللطيف دريان أمس، تدل الى وجود "نقزة" أو "عدم ارتياح" لمواقف وأداء بعبدا.
ولتكتمل عناصر العرقلة، تأتي مسألة التطبيع مع سوريا والتنسيق معها اقتصاديا و"نزوحا"، لتزيد الطين بلّة، حيث تلوح منذ الآن في الافق، بوادر خلاف رسمي على هذه المسألة، مع دعمها من الرئيس عون وفريقه و8 آذار، ورفضها من الفريق الآخر، قد ترخي بظلالها على "البيان الوزاري" المنتظر للحكومة العتيدة.
وفي وقت لا تستبعد ان يكون البعض يعول على استسلام الحريري امام هذه الصعوبات كلها، على قاعدة إحراجه لاخراجه، تؤكد المصادر ان الرئيس المكلف ليس في وارد "رمي المنديل" ويتمسك بالتسوية الرئاسية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك