في روما، المدينة التي زُرع التاريخ في كل زاوية منها، سحرٌ يخطف الأنفاس كلّما بانَ أمامنا تمثال أو ساحة أو جسر أو قلعة أو متحف أو كنيسة أو ينبوع ماء، فيسمّرنا لدقائق أو ربّما لساعات في مكان واحد يضيع فيه الزمن.
في روما، أمام قلعة ميكال - أنجلو في الشارع الذي يؤدي الى ساحة الفاتيكان وبازيليك القديس بطرس، موسيقيون يتوزّعون هنا وهناك ليدهشوا المارة بمعزوفات على آلات مختلفة، فينشرون عطراً موسيقياً يمهّد طريق روما أكثر الى عالم من الخيال.
هناك، وبينما كنت أمشي ونظري يهيم بين جمال المدينة وعظمة مبانيها، توقّفت دقّات قلبي فجأة وجمدت خطواتي في مكانها، وتراني أتمتم أغنية ذكّرتني بلبنان. لوهلة، ظننت أنّني أهذي، أنا في روما، ولبنان بعيد عنّي كل البعد، لكنّ الموسيقى التي أسمعها هي التي عشقتها منذ طفولتي... هذه الموسيقى لنا، للبنان، للأخوين الرحباني!
التفتّ الى الخلف، وإذ بي أفاجأ بسيدة أربعينية في كامل أناقتها تعزف على آلة "الهارب" لحناً رحبانياً أعادني الى "تلج" لبنان وشمسه، الى حبّ يغلغل في قلوبنا لهذا البلد المتوجّع المختبئ في عيوننا التي ترى "تلجه المحبّة وشمسه الحريّة".
اتّكأت على حائط صغير، وتأمّلت أناملها التي تمرّ على أوتار الآلة بسلاسلة فيها جمال ورقي، ورحت أكمل الأغنية التي تتغزّل بـ "بلدي يا حكايي، بالعزّ مضوّايي، ليش هالقدّ بحبّك يا غاية الغاية؟".
وما أن انتهت السيدة الأنيقة بوقفتها وملابسها وطريقة عزفها من إبهارنا، حتّى صفّق لها الجميع واقتربوا يقدّمون بعضاً من أموالهم لها كعربون تقدير لما قدّمته.
أمّا أنا، فاقتربت منها وألقيت عليها التحية، وسألتها: "كنت تعزفين مقطوعة رائعة جداً، أتعلمين لمن هي بالأصل؟"، فأجابت بلهجتها الإيطالية المميزة وبابتسامة غامرة: "بالطبع، إنّها فيروز".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك