لا صوت يعلو فوق صوت القدس. فمع انزلاقِ المنطقة التي كانت مشدودةً الى المنعطف الخطير في اليمن الى واقعٍ أكثر فوضوية وخطورة في ضوء قرار واشنطن بنقل السفارة الأميركية الى القدس كعاصمة لاسرائيل، بدا لبنان وكأنه "نجا بأعجوبة" النأي بالنفس كصيغةٍ لغوية أتاحتْ عودته الى ما قبل 4 تشرين الثاني الماضي وإن وفق ضوابط تتولى باريس ضمان ان تؤدي مفاعيلها على صعيد "فرْملة" الغضبة العربية ولا سيما السعودية حيال بيروت على خلفية أدوار "حزب الله" في أكثر من ساحة، وأيضاً إقناع طهران بضرورة الحدّ من توريط لبنان في مشروعها الكبير في المنطقة.
وغداة عودة الحريري عن استقالته نهائياً، ازدادتْ المؤشرات الى ان لبنان "نَفَذَ" بالتسوية المُرمَّمة ونجح في شراء الوقت من خلف خطوط الاشتباك العاصِف والذي يشي بفصولٍ أكثر احتداماً على الجبهة السعودية - الإيرانية ناهيك عن الارتدادات "المتفجّرة" التي لاحتْ في الأفق منذ إعلان نية الرئيس دونالد ترامب نقل سفارة بلاده الى القدس.
وفي رأي أوساط سياسية أن إعادة لبنان الى "منطقة الأمان" في غمرة "الغليان" المتعدد الطبقة في المنطقة يشكّل مصلحة مشتركة لأكثر من طرف خارجي ربْطاً بالموازين الحالية في المنطقة، في موازاة رغبةً داخلية ولا سيما من "حزب الله" في احتواء "عواصف" آتية (عقوبات وغيرها) من خلال الاستظلال بـ "غطاء وطني جامِع"، لافتة الى ان انضباط الواقع اللبناني مجدداً تحت سقف التسوية السياسية و"ملحقها" المتمثّل بالنأي بالنفس عن الصراعات والأزمات والحروب والتدخل في شؤون الدول العربية سيتيح لبيروت تمرير مرحلة مفصلية في المنطقة وفق "الستاتيكو" القائم منذ عام ونيف.
وفي الوقت الذي لم يَبرز جواب حاسم حيال اذا كانت الرياض في وارد الاكتفاء بالبُعد الإنشائي للمَخرج الذي عاد الحريري على أساسه عن استقالته او انها تلقت ضمانات بتَرْجمات عملية ستبرز على نحو متدرّج ولو من دون "ضجيج"، كان لافتاً صدور إشارات متناقضة بإزاء "معاني" البيان - القرار بالنأي بالنفس، عبّر عنها موقفان:
* الأول لـ "حزب الله" على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي جدد من طهران هجومه على السعودية داعياً في موقفٍ "ناسِف" لـ "فلسفة النأي بالنفس" الى الكفّ عن التصرف "كلٌّ في بلده وكأنه غير معني بالآخرين".
* والثاني للرئيس الحريري الذي أوحى بترجمات عملية لقرار النأي بالنفس.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك