بقي هناك حاجز يصعب تجاوزه، حتى لو كان في ود «حزب الله» نسج علاقة تفاهمية، بل تحالفية، بل تمازجية، مع المسيحيين، وحتى لو أمكن بالفعل طيلة العشرية الماضية، الاشتغال بجد وبشكل مراكم على هذا الموضوع، وبنتائج لم تكن على الخاطر ولا على البال قبل ذلك، وبما رُفدَ بأقاويل «حلف الأقليات» حيناً، و»انعقاد المظلوميتين» حيناً آخر، وبإجادة «حزب الله» توظيف ما يعتمل في الشارع المسيحي بصدد رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات لصالحه، ناهيك عن شماعة «داعش والنصرة» والهواجس الديموغرافية حول اللاجئين، وبعدم غياب الاحتراس من شوكة «حزب الله» نفسه عن حسابات مسيحية «ايجابية» تجاهه، اي «ايجابية احتراسا».
هذا الحاجز الذي صعب تجاوزه، والذي بقي يقف حجر عثرة دون تمدد النفوذ المادي والمعنوي لـ «حزب الله» بين المسيحيين عبّر عنه بالامس الشيخ نعيم قاسم في موقف تلى الحكم القضائي للمجلس العدلي في قضية اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل قبل خمسة وثلاثين عاماً. موقف أظهر ان الحزب لا تختلف نظرته الى القضاء اللبناني عن نظرته الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لكن ايضاً، ليس بمستطاعه التفاعل بواقعية مع المشاعر العميقة لدى شرائح واسعة من الطوائف الاخرى، مسلمة كانت او مسيحية، في الوقت نفسه الذي لا يطلب الحزب اقل من التحسس المرهف لما في خوالجه من عواطف وأحاسيس تجمع منتهى المظلومية بدوام الحاجة طول الوقت لانتصارات اياً كان نوعها.
طبعاً، لا يمكن تفسير كل الواقع بارتدادات الحكم القضائي. صحيح، دلت التداعيات على محدودية ما حققه تفاهم مار مخايل على صعيد نظرة عدد كبير من المسيحيين، ان لم تكن اكثريتهم الساحقة، الى تاريخهم في نصف القرن الاخير. وبالتالي، البون الشاسع بين الكيفية التي يرون بها تاريخهم، والكيفية التي يراه «حزب الله» فيها، الحزب نفسه الذي لم يكن عنده من اشكالية عميقة لجهة التحالف الانتخابي مع رموز ذهبت بعيداً في الخط الذي تراه في لحظة اخرى يخرج بإزائه مكنونه، مختزلاً كل شيء في ثنائية «مقاومة وعمالة»، بالنسبة الى حرب اهلية، خيضت كلها بين ميليشيات كل واحدة منها تسمّت مقاومة، او نسبت نفسها لمقاومة، ولم تمنع هذه الصفة اياً منها من نسج علاقات متفاوتة الشكل والاطار والمضمون مع جيوش من التدخل الخارجي، ولا يلغي هذا الاختلاف الاساسي بين جيش العدو الاسرائيلي وبين الانماط التدخلية الاخرى في الحرب اللبنانية، لكن شرط وعي هذا الاختلاف، ومصداقية تسطيره، هو بموقف واضح تجاه التدخلات الاخرى، والأهم، مقاربة أوفى تجاه الكيانية اللبنانية. فبنهاية الحرب، وُلد مشروع سلام دائم قوامه مسعى الاجماع على الكيانية اللبنانية، انما الكيانية المنتمية الى محيطها العربي. وهنا بيت القصيد مع مشكلة «حزب الله» مع المكونات اللبنانية الاخرى. هي مشكلة مع الكيانية اللبنانية اولاً. ومشكلة مع فكرة الانتقال الحاسم من منطق الحرب الاهلية الى منطق السلم الاهلي (ليس لوحده عالقاً في ذهنية الحرب، لكنه عالق فيها ممتلكاً ادواتها، وهنا الفارق). اما المحيط العربي فلم يفهمه الحزب الا دعما للحوثيين في اليمن، وما على شاكلة هذا الدعم.
السلام الاهلي الدائم والكيانية اللبنانية: بعد ربع قرن على محاولة تكريسهما، لا تزال الورشة غير منجزة، هشة في اماكن كثيرة. لا تختزل كل اسباب هذه الهشاشة في مشكلة «حزب الله» وسلاحه، بل ان مشكلته مع فكرة السلام الاهلي المستدام، وفكرة طي صفحات الحرب، ومشكلته المستمرة مع الكيانية اللبنانية، رغم اقتباسه الجزئي منها، كيوم اقتبس السيد حسن شعار لبنان 10452 كلم2 عشية انتخابات 2005، هي اكبر من مشكلات سواه، وتغذي مشكلات سواه. تماماً مثلما انه، في بلد، يرزح تحت تاريخ من الاغتيالات في الاربعين عاماً الاخيرة، لا يمكنه ان يجتزىء من هذا التاريخ نظرة، الا بالتعسف، في حين ان استصلاح العقد الاجتماعي بين اللبنانيين يحتاج الى موقف صلب وواضح وشامل ضد الاغتيال السياسي، لا التباس فيه.
هذا الحاجز الذي صعب تجاوزه، والذي بقي يقف حجر عثرة دون تمدد النفوذ المادي والمعنوي لـ «حزب الله» بين المسيحيين عبّر عنه بالامس الشيخ نعيم قاسم في موقف تلى الحكم القضائي للمجلس العدلي في قضية اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل قبل خمسة وثلاثين عاماً. موقف أظهر ان الحزب لا تختلف نظرته الى القضاء اللبناني عن نظرته الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لكن ايضاً، ليس بمستطاعه التفاعل بواقعية مع المشاعر العميقة لدى شرائح واسعة من الطوائف الاخرى، مسلمة كانت او مسيحية، في الوقت نفسه الذي لا يطلب الحزب اقل من التحسس المرهف لما في خوالجه من عواطف وأحاسيس تجمع منتهى المظلومية بدوام الحاجة طول الوقت لانتصارات اياً كان نوعها.
طبعاً، لا يمكن تفسير كل الواقع بارتدادات الحكم القضائي. صحيح، دلت التداعيات على محدودية ما حققه تفاهم مار مخايل على صعيد نظرة عدد كبير من المسيحيين، ان لم تكن اكثريتهم الساحقة، الى تاريخهم في نصف القرن الاخير. وبالتالي، البون الشاسع بين الكيفية التي يرون بها تاريخهم، والكيفية التي يراه «حزب الله» فيها، الحزب نفسه الذي لم يكن عنده من اشكالية عميقة لجهة التحالف الانتخابي مع رموز ذهبت بعيداً في الخط الذي تراه في لحظة اخرى يخرج بإزائه مكنونه، مختزلاً كل شيء في ثنائية «مقاومة وعمالة»، بالنسبة الى حرب اهلية، خيضت كلها بين ميليشيات كل واحدة منها تسمّت مقاومة، او نسبت نفسها لمقاومة، ولم تمنع هذه الصفة اياً منها من نسج علاقات متفاوتة الشكل والاطار والمضمون مع جيوش من التدخل الخارجي، ولا يلغي هذا الاختلاف الاساسي بين جيش العدو الاسرائيلي وبين الانماط التدخلية الاخرى في الحرب اللبنانية، لكن شرط وعي هذا الاختلاف، ومصداقية تسطيره، هو بموقف واضح تجاه التدخلات الاخرى، والأهم، مقاربة أوفى تجاه الكيانية اللبنانية. فبنهاية الحرب، وُلد مشروع سلام دائم قوامه مسعى الاجماع على الكيانية اللبنانية، انما الكيانية المنتمية الى محيطها العربي. وهنا بيت القصيد مع مشكلة «حزب الله» مع المكونات اللبنانية الاخرى. هي مشكلة مع الكيانية اللبنانية اولاً. ومشكلة مع فكرة الانتقال الحاسم من منطق الحرب الاهلية الى منطق السلم الاهلي (ليس لوحده عالقاً في ذهنية الحرب، لكنه عالق فيها ممتلكاً ادواتها، وهنا الفارق). اما المحيط العربي فلم يفهمه الحزب الا دعما للحوثيين في اليمن، وما على شاكلة هذا الدعم.
السلام الاهلي الدائم والكيانية اللبنانية: بعد ربع قرن على محاولة تكريسهما، لا تزال الورشة غير منجزة، هشة في اماكن كثيرة. لا تختزل كل اسباب هذه الهشاشة في مشكلة «حزب الله» وسلاحه، بل ان مشكلته مع فكرة السلام الاهلي المستدام، وفكرة طي صفحات الحرب، ومشكلته المستمرة مع الكيانية اللبنانية، رغم اقتباسه الجزئي منها، كيوم اقتبس السيد حسن شعار لبنان 10452 كلم2 عشية انتخابات 2005، هي اكبر من مشكلات سواه، وتغذي مشكلات سواه. تماماً مثلما انه، في بلد، يرزح تحت تاريخ من الاغتيالات في الاربعين عاماً الاخيرة، لا يمكنه ان يجتزىء من هذا التاريخ نظرة، الا بالتعسف، في حين ان استصلاح العقد الاجتماعي بين اللبنانيين يحتاج الى موقف صلب وواضح وشامل ضد الاغتيال السياسي، لا التباس فيه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك