لطالما حيّر اللبنانيون سكان العالم، فبين الثقافة والانفتاح والابقاء على كثير من العادات، تمكّنا من جمع الاضداد كلّها... رغم تنوّعنا الطائفي والاجتماعي والثقافي، كنّا دائما الوجهة الأولى للانفتاح والفرادة!
منخرطون في العالم العربي، وتعبق فينا رياح الثورة دائما، ورغم ان حدودنا مشتعلة بالحقد والنار إلا أننا جعلنا من لبنان عنوانا دائما للفرح والسهر والحب والحرية رغم كل الصعاب التي ألمّت ولا تزال بهذا البلد الصغير.
إلا أن ظاهرة غريبة اقتحمت مدننا في الآونة الاخيرة لتصبغ مناطقنا بلون لا يشبهها وعادات هي أبعد ما يكون عنّا.
فقبل أيام قليلة، أقدمت بلدية طرابلس على إزالة إعلان يظهر رجلا وامرأة يتقابلان وجها لوجه تتوسّطهما زجاجة "كوكا كولا" وذلك بطلب من هيئة العلماء المسلمين باعتبار أنه "يخدش الحياء"، الأمر الذي خلق جدلا كبيرا، خصوصا أن عاصمة الشمال تتميّز بتنوّع طائفي وهي لم تشهد من قبل أمرا مماثلا.
هذا الامر أدى إلى حملة استنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أنه يشوّه صورة طرابلس، ويلصق بها تهمة التطرف، فيما تحاول عاصمة الشمال منذ سنوات أن تنفض عنها غبار المعارك والقتل والدمار، وتبني صورة اجمل لها في عقول اللبنانيين جميعا.
إلا ان ما حصل في طرابلس، لم يتوقف هناك، فإذ به يتمدد ليصل إلى بيروت. نعم، صدّقوا أو لا تصدّقوا، فقد أمر محافظ بيروت القاضي زياد شبيب بإزالة إعلان للملابس الداخلية عند تقاطع شارع مار الياس مع شارع الجزائر بعد يوم واحد على وضعه في المكان، بناء على طلب مجموعة من الأشخاص الذي رأوا أن الإعلان يؤدي إلى "اختلال اجتماعي". كما عبّر البعض على مواقع التواصل الاجتماعي عن ارتياحهم بعد إزالة الإعلان خصوصا ان المنطقة تضمّ مدارس ومساجد!
نعم، ما قرأتموه حصل فعلا في عاصمتنا بيروت وقبله في طرابلس، وربما سنكون غدا مع منطقة أخرى، وفي اليوم الذي يليه قد نسمع عن انزعاج شيخ من فتاة ترتدي فستانا صادفها على الطريق، أو قد نمنع تواجد شاب وفتاة في الإعلان نفسه.
أوقفوا هذه السخافات فورا، فنحن لم ولن نكون يوما موطن تخلّف الذي بدوره يؤدي إلى التطرف والهلاك... ما تفعلونه لا يخدش حياءنا إنما يعّري هويتنا الثقافية! فالإعلانات، ومهما كان نوعها، لا تؤذي الخارجين من المدارس، بل إن إزالتها تجعلهم ينغمسون في جهل هم براء منه... والأسف كلّ الأسف، ليس على أولئك اللاهثين لإزالة ما يُنشر بل على من يذعن لطلباتهم ويجعل من الحمقى بوصلتهم!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك