خدعتنا جوليا مرّة جديدة. حسِبنا أنّ ما "ارتكبته" بحقّنا في حفلتها الأخيرة منذ سنتين في "بلاتيا" بلغ القمّة، وما سيأتي بعده سيكون تكراراً أو استنساخاً. حسِبنا أنّ من يصل الى القمّة يتراجع، أو يمكث فيها، في أحسن الأحوال. لكنّ جوليا خدعتنا، وتجاوزت القمّة، وفي خدعتها شريك متواطئ اسمه زياد بطرس...
فلتسمح لنا لجان المهرجانات التي ازدحمت صيفاً. ما شاهدناه على مارينا ضبيّة لا يمتّ الى المهرجانات الأخرى بصلة. التي رأيناها على تلك الخشبة الضخمة التي اتّسعت لحوالي مئة وعشرين عازفاً ومنشداً لا تشبه من احتلّ خشبات أخرى، ولو حملت صفة الدوليّة. نحن هنا أمام فرادة تتخطّى مساحة لبنان والعالم العربي، خصوصاً من حيث المستوى الموسيقي الآسر الذي يتخطّى الإبداع الى شيءٍ آخر، لم يبتكر له واضعو اللغة صفةً لأنّ ما من سابقٍ له.
بدت جوليا ساحرة مساء السبت، منذ إطلالتها على المسرح، صاعدة من أسفله. بدت ساحرة بعينيها التي ترصد حوالي ثمانية آلاف شخص لم يكفّوا عن التصفيق والهتاف لها والغناء معها. وساحرة بثغرها المبتسم وشعرها المستلقي على الكتفين، وبالكلمات المؤثّرة التي قالتها، خصوصاً حين تحدّثت عن شهداء لبنان، وجرح سوريا ونزيف العراق...
لذلك عليك، وأنت تصف هذه المرأة، والفنّ الذي تقدّمه، أن تنهل من الكلمات رحيقها ومن المفردات ما قلّ منها ودلّ، ولو أنّ جوليا تحرّض على الكتابة، تماماً كما تحرّض على الثورة وعلى الغضب والرفض والعشق...
حين تنشد الحبّ، يلوّن صوت جوليا أيّامنا بالأغنيات التي تشعرك بأنّك في صباحٍ دائم. وحين تغنّي الوطن و"القضيّة" تنقلك على بساط صوتها الى الميدان، حيث ينتصر المقاومون دائماً ويغلب الضعيف القويّ ويرتفع صوت الشعب فوق صوت السلاطين الجائرة، ويقف جنديٌّ لبنانيّ على صخرة ليرفع علم لبنان.
غنّت جوليا جديدها وقديمها، وأبدعت الفرقة الموسيقيّة بقيادة هاروت فازليان أكثر من أيّ مرّة. جعلتنا صاحبة "أنا بتنفّس حريّة" نتنفّس فنّاً نظيفاً، لا يلوثّه نشازٌ في زمن النفايات الفنيّة الملوّثة التي تحتاج الى مطمرٍ أو محرقة.
ولكنّ الحفلة كانت "عائليّة" بامتياز. بدأتها جوليا بالسؤال "وينك يا الياس؟"، وتقصد زوجها الوزير الياس بو صعب، لتعبّر له عن حبّها. ثمّ كشفت أنّ تاريخ حفلتها في 27 آب هو عيد ميلاد ابنها البكر سامر، فغنّت له مع الفرقة والجمهور "سنة حلوة يا سامر"، قبل أن تُبلغ ابنها طارق، ممازحة، بأنّه لن يحظى بحفلة مماثلة في ذكرى ميلاده في 9 شباط!
وكانت من جوليا كلمات مؤثّرة عن شقيقها زياد، رافقتها صور على الشاشة الضخمة لتوأم نجاحها الفنّي. ثمّ جاء دور شقيقتها صوفي التي صعدت الى المسرح وغنّتا معاً "حبيبي". هي سهرة عائليّة إذاً أكملتها عائلة جمهور جوليا الذي حجّ الى الضبيّة بالآلاف، فغنّى معها ورفع قبضته عالياً وصفّق طويلاً وأعادها بسلاح الحنجرة الى المسرح مرتين، على وقع الهتاف "جوليا... جوليا...".
توجّهت جوليا، في بداية حفلتها، الى زوجها الوزير الياس بو صعب بالقول: "بدّي قلّك حياتي شكراً لأنّك دايمن بتحقّقلي أحلامي، متل هالليلة". لعلّه، بهذه الحفلة، حقّق لنا أحلامنا أيضاً...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك