كان بإمكان طلال سلمان أن ينهي مسيرته المهنيّة بطريقة أفضل بكثير ممّا فعل في الأيّام الأخيرة. الرجل الذي اعتاد، من خلال صحيفته، رمي الحجارة باتجاه فساد السياسيّين، اتّضح أنّ بيته من زجاج. ولعلّ ما قاله وكتبه بعض الزملاء في الصحيفة، في الأيّام الأخيرة، أصدق دليل على ذلك.
عتب طلال سلمان كبير على زملاء في "السفير" لأنّهم استعجلوا الإعلان عن قرار إقفال الجريدة، وعبّر بعضهم عن حزنهم الشديد على "موت" "صحيفتهم" عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كان الرجل، ربما، يريد موتاً هادئاً، بلا ضجّة، عساه ينهي ترتيبات الإقفال و"الحقوق" بلا ضجّة أيضاً. خرج بعض الزملاء، يوم الخميس الماضي، من اجتماعهم مع إدارة الصحيفة مذهولين، بعد أن شعروا بأنّ حقوقهم قد تتعرّض للاغتصاب، وسمعوا من ابنة سلمان، التي كانت قدّمت استقالتها من الصحيفة قبل أشهر بسبب خلاف مع أحد الزملاء فيها، بأنّها غير قادرة على دفع قسط ابنتها في المدرسة!
اتّفق بعض الزملاء، بعد الاجتماع، على المواجهة عبر وسائل الإعلام التي تفتح أبوابها أمامهم، إذ شعروا بأنّ أصواتهم ستُخنق من قبل الصحيفة التي رفعت شعار "صوت الذين لا صوت لهم". قرأنا أكثر من مقال وخبر على مواقع الكترونيّة، بالإضافة الى "تلطيشات" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الى أن جاءت "المفاجأة" بإعلان سلمان، عبر "النهار"، عن استمرار الصحيفة ومدّها بأوكسيجين من "العواطف" (الخضراء ربما) التي ستتيح بقاءها على قيد الحياة ولو لأشهر قليلة.
إلا أنّ هذا السيناريو لا يطمئن معظم الزملاء في "السفير" كثيراً. من هنا، سيُعقد لقاءٌ عند الثانية من بعد ظهر اليوم لجميع الزملاء، على شكل جمعيّة عموميّة، لكي يُصار فيه الى تشكيل لجنة مصغّرة تبحث مع سلمان في أسباب ما حصل كما في مستقبل الصحيفة والعاملين فيها وحقوقهم، والمطالبة بتعهدات على هذا الصعيد، خصوصاً نتيجة تصدّع العلاقة بين الإدارة وأسرة التحرير والموظفين.
وتشير المعلومات الى أنّ الأجواء التي سبقت اجتماع اليوم كانت سلبيّة، في ظلّ كثرة الأسئلة والهواجس لدى الزملاء الذين بلغ الاستياء ببعضهم حدّ التمرّد والدعوة الى تحرّك قد يُحدَّد مصيره على ضوء اجتماع اليوم. وما زاد من خشيتهم صدور قرارٍ أمس الإثنين بتقليص عدد الصفحات من 16 الى 12، الأمر الذي فُسّر بأنّه تمهيد للاستغناء عن موظفين.
ويكرّر عددٌ من الزملاء في "السفير" تعبير "دروع بشريّة" عند توصيف ما يعتبرونه استغلالاً من قبل سلمان للحصول على تمويل للصحيفة، خصوصاً أنّ إعلان التوقّف عن الصدور فسّره كثيرون بأنّه "ابتزاز مورس على جهاتٍ سياسيّة، وتحديداً على حزب الله، من أجل مدّ سلمان بالمال اللازم للاستمرار".
ويسأل الزملاء: "لماذا حصل ما حصل؟ وكيف حُلّ الأمر؟ وماذا يمنع تكراره؟"، وهم ينتظرون من الرجل الذي كان مثلاً أعلى بالنسبة الى كثيرين منهم أجوبة واضحة على هذه الاستفهامات.
ربما يكون ما يحصل مع "السفير" تعبيراً عن الأزمة التي تعيشها الصحافة اللبنانيّة الورقيّة. إلا أنّ الأمر يتجاوز تغيّر الصحافة في هذا الزمن الى تغيّر بعض "أرباب" المهنة. بعض هؤلاء يذكّر بما قيل قديماً عن الفرّيسيّين: "اسمعوا شعاراتهم ولا تفعلوا أفعالهم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك