لم يحقق تمديد المفاوضات في شأن تأليف الحكومة اللبنانية العتيدة بطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أي تقدم باتجاه إزالة العقبات التي ما زالت تؤخر ولادتها، مع ان طلب الأخير أملى على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي التريث حتى إشعار آخر لأنه يبقى، كما تقول مصادر مواكبة للمشاورات الجارية بين القوى الرئيسة في الأكثرية الجديدة، أقل كلفة من الخيارات الأخرى (حكومة أمر واقع أو تكنوقراط) التي يمكن ان يترتب عليها تعقيد المشكلة بدلاً من توفير الحلول لها.
وتؤكد المصادر نفهسا لـ «الحياة» ان ميقاتي تجاوب مع رغبة بري بالتريث إفساحاً في المجال امام استنباط أفكار جديدة يمكن ان يؤسس عليها كمخارج للخلاف المستعر حول حقيبة الداخلية وتوزيع الحقائب الأخرى باعتبار ان التريث بلغة الأكلاف السياسية، يبقى أخف الأكلاف من ناحية، ويفتح الباب مجدداً امام تعويم المفاوضات بمبادرة رئيس المجلس شخصياً الى معاودة تحركه لعله ينجح في التوصل الى تسوية.
مهلة محدودة للتريث
وتضيف المصادر، ان التريث لا يمكن ان يستمر الى امد طويل خصوصاً أن بدايته لم تكن مشجعة حتى الساعة بسبب إصرار رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على ان تكون الداخلية من حصة «التيار الوطني الحر» رافضاً كل المخارج التي تقدم بها الوسطاء وكان آخرها كما تردد، إسنادها الى الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم ومن قبل الى المدير العام السابق للأمن العام السفير ريمون روفايل وسفير لبنان في الفاتيكان العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جورج خوري.
عون يرفض «التسوية» للداخلية
وترى المصادر عينها ان الرئيس المكلف يتعامل مع رفض عون كل المخارج في خصوص الداخلية بالصبر من دون ان يتجاوزه الى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة أو التخلي عن صلاحياته المنصوص عنها في الدستور. وتجزم في المقابل بأن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لم يبد حماسة لاقتراح البعض في الأكثرية الجديدة ان يتولى وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي وزارة الداخلية، بل انه رفض البحث فيها.
جنبلاط ضد إقحامه
وتضيف ان رئيس «التقدمي» رفض العرض في المبدأ وامتنع عن الدخول في حوار مع بعض حلفائه، وعزت السبب الى ان جنبلاط والعريضي شخصياً، لا يريدان الدخول طرفاً في الحرب الدائرة على توزيع ما يسمى بالحقائب السيادية على الطوائف الأربع الكبرى (الموارنة، السنة، الشيعة، الأرثوذكس).
وتؤكد المصادر ان رفض جنبلاط إقحامه في توزيع الحقائب السيادية وضع بعض حلفائه امام مسؤولياتهم في التحرك للتفاهم على اسم وزير الداخلية من دون ان يعني مشاركته في المشاورات وإن كانت محدودة لعدم تأثيره كسواه في عون لدفعه الى تليين موقفه.
تدخل «حزب الله»
وتعتبر المصادر المواكبة ان «حزب الله» يبقى الأقدر من غيره في التأثير على حليفه عون وهذا ما يقال في اللقاءات التي تُعقد بعيداً من الأضواء بين قيادته وعدد من القيادات في الأكثرية الجديدة. وتؤكد أن تدخله لدى «الجنرال» لا يعني الاستقواء عليه أو تحجيمه في التركيبة الوزارية بمقدار ما ان المطلوب من الأخير التواضع لتسهيل مهمة الرئيس المكلف.
وتضيف: «الأكثرية الجديدة بكل مكوناتها وتياراتها تقدر لحزب الله وقوفه الى جانب حليفه عون الذي وقف معه في أحلك الظروف، لكن التسليم بكل شروطه لم يعد مقبولاً، إضافة الى مراعاته الى اقصى الحدود لهذا السبب أو ذاك».
وتعتقد أنه آن الأوان لـ «حزب الله» ان يصارح عون وأن يقول له كفى، لا سيما ان حصته في الحكومة ستكون أكثر من وازنة لا بل «طابشة»، وبالتالي لا مصلحة للأكثرية في ان يكون ميقاتي الحلقة الأضعف في الحكومة كحال رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من وجهة نظر عون الذي يصر على تقليص صلاحياته على نقيض مطالبته في العلن باستردادها وإعادتها إليه.
عون ورئاسة الجمهورية
وتسأل المصادر نفسها عن المصلحة من استمرار هجوم عون على رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف واتهامهما بأنهما ينتميان الى الأكثرية السابقة، وتقول: «لم يساهم ميقاتي في التحول الذي طرأ على ميزان القوى في البرلمان ومن أين تكونت الأكثرية الجديدة لولا موقفه ورئيس التقدمي ومبادرة سليمان الى تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة».
كما تسأل عن الجدوى من إنكار دور الآخرين في التحول الذي طرأ على ميزان القوى في البرلمان، مضيفة: «هل يصبح ميقاتي مقبولاً في حال موافقته على عدم التأثر بمحيطه أو الدخول في اشتباك سياسي مفتوح مع الطائفة السنية التي ينتمي إليها».
ميقاتي ضد الاشتباك مع طائفته
وتسأل المصادر ايضاً: «ألا يحق لميقاتي مراعاة طائفته؟ أم ان المطلوب الدخول في صدام معها؟ ام ان لا خيار امامه سوى التقوقع والتسليم للآخرين بإلحاقه بركبهم السياسي وبالتالي تصنيفه في خانة معينة بدلاً من ان يسبح في الفضاء اللبناني ككل ويتواصل مع الجميع بلا استثناء؟».
«الداخلية» وعون
اما في شأن إصرار عون على تسلم الداخلية رافضاً البدائل، فتكشف مصادر أخرى لـ «الحياة» انه يميل الى إسنادها لصهره وزير الطاقة جبران باسيل لكنه ارتأى ان تكون من نصيب القيادي في «التيار الوطني» النائب السابق سليم عون بذريعة انه يريد الاحتفاظ بباسيل لمنصب آخر يستدعي منه في الوقت الحاضر الحيطة والحذر ليكون جاهزاً لخوض استحقاق انتخابات الرئاسة الأولى في موعدها، أو إذا اقتضى الأمر قبل أوانها مع استمراره في مخططه الرامي الى تهميش دور الرئيس الحالي.
وتؤكد هذه المصادر ان عون بدأ يتصرف منذ فترة ليست بقصيرة وكأن لا خصم له في الميدان السياسي سوى رئيس الجمهورية «وهو كان من انتخبه بعد مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة رئيساً للبلاد».
وتعتقد المصادر أن عون ولهذا السبب، يصوب على انتزاع الداخلية لما لها من دور في الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع 2013، والتي ستكون من خلال نتائجها المؤشر لتحديد هوية رئيس الجمهورية.
وتضيف: «عون يتطلع الى التحضير للانتخابات النيابية المقبلة لتأتي على قياسه، وهذا ما يفسر امتناع وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال شربل نحاس المنتمي الى التيار الوطني عن تحويل عائدات وزارته الى وزارة المال بذريعة ان الأخيرة تريد الاحتفاظ بهذه الأموال وتحديداً تلك العائدة للبلديات بدلاً من صرفها».
وتؤكد المصادر ان نحاس «يفرض حصاراً مالياً بدلاً من ان يضع وزارة المال امام اختبار جدي للتأكد من انها ستصرف للبلديات الأموال العائدة إليها من الاتصالات، لا سيما ان حصة البلديات تبلغ حوالى بليون دولار من اصل المبلغ الذي لا يزال يحتجزه وبلغت قيمته حتى الساعة أكثر من بليون و600 مليون دولار».
وترى هذه المصادر ان وزارة المال مضطرة للبحث عن البدائل لتأمين دفع رواتب الموظفين في القطاع العام، وتؤكد في المجال نفسه ان احتفاظ الاتصالات بالعائدات ينطلق من توظيف «التيار الوطني» أموال البلديات في حملاته الانتخابية بذريعة انه تولى حمايتها خوفاً من ان لا تصرفها وزارة المال.
شطب «فرع المعلومات»
ولم تستبعد المصادر ان يكون لإصرار عون على الداخلية علاقة مباشرة بقراره الرامي الى التشفي من قيادة قوى الأمن الداخلي وتحديداً الى شطــب فــــرع المعلومات فيها على خلفية توقيـــفها القيادي في «التيار الوطني» العمــيد المتقاعد فايز كرم بتهمة التعامل مع إسرائيل وهو يحاكم الآن امام القضاء العسكري.
وتؤكد المصادر نقلاً عن قيادات في الأكثرية الجديدة، ان عون ابلغ هذه القيادات في سياق البحث عن بدائل لتولي الداخلية، بأن لا مكان لفرع المعلومات بعد الآن في الوحدات التابعة لقوى الأمن الداخلي، وهذا ما يتسبب في حصر المهمة الاستخباراتية والأمنية بأجهزة معينة.
كما لم تستبعد المصادر ان يبادر «التيار الوطني» من خلال توليه الداخلية الى طلب اعادة النظر في قيود الناخبين في زحلة لجهة خفض عدد الناخبين السنّة فيها بما يمكّنه من إحداث انقلاب في الخريطة الانتخابية تحت عنوان انه اعاد الأمور الى نصابها ونجح في تصحيح لوائح الشطب.
لذلك، فإن بعض الأطراف في الأكثرية الجديدة لا تتبنى مواقف عون من الداخلية لكنها مضطرة الى مراعاته بغية عدم الدخول في سجال معه يؤدي الى التأثير سلباً في التحالفات، علماً ان في حوارها معه داخل الغرف المغلقة سجّلت اعتراضها على مواقفه هذه انطلاقاً من ان البلد لا يحتمل العودة الى ممارسة سياسة التشفي والكيدية التي مورست في السابق وكانت لها تداعيات أضرت بالاستقرار العام في البلاد.
فيديرالية الوزارات!
وعليه، فإن تمديد المفاوضات في شأن تأليف الوزارة يمكن ان يؤدي الى رسم خريطـــة لإعــــادة توزيع الحقائب تسمح بالتوافق على مخارج، لكن لا يبدو ان هذا ممكن ما لم يتجاوب عون مع دعوته من جانب حلفائه الى التعاطي بمرونة والانفتاح مع المخارج المقترحة لأن الخيار الآخر سيدفع باتجاه الاقتراب من الحائط المسدود، خصوصاً ان تمسك عون بشروطه رافضاً اعادة النظر في توزيع الحقائب سيقود حتماً الى اعتماد «فيديرالية الطوائف» في توزيع عدد من الحقائب الأساسية.
«الخليلان» في دمشق
وإلى حين انتهاء فترة التريث التي سيعمل بمفعولها حتى النصف الثاني من الأسبوع الحالي، فإن المراوحة المسيطرة على المشاورات استدعت وفق مصادر في الأكثرية لـ «الحياة» من المعاونَيْن السياسيَّيْن لرئيس المجلس النائب في حركة «أمل» علي حسن خليل وللأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل التحرك امس باتجاه دمشق للتشاور مع كبار المسؤولين في القيادة السورية في التطورات التي تشهدها سورية وآفاقها من جهة، وفي استمرار لعبة «شد الحبال» في لبنان وتأثيرها في التأخير في ولادة الحكومة وما بدأ يترتب عليه من آثار سلبية على الأكثرية الجديدة ككل، تظهرها عاجزة عن التأليف.
وفي هذا السياق، علمت «الحياة» ايضاً ان زيارة «الخليلين» دمشق تعكس رغبة قاطعة في اختبار النيات السورية من تشكيل الحكومة للتأكد من ان دمشق تقـــف الى جانب الإسراع في إنجاز عملية التأليف خلافاً لما يشاع في بيروت من ان للتأخير اعتبارات اقليمية ودولية تؤخذ في الاعتبار وما زالت تحول دون إعطاء الضوء الأخضر الذي هو الأساس في تمكين الأطراف المحلية من التغلب على الاختلافات التي تمنع ولادتها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك