من دون أي إعلان او مناقصة او حتى استدراج عروض معلن، قرّرت الحكومة التعاقد مع شركتين لتصدير النفايات الى الخارج. هذا القرار ينطوي على صفقة جرى ترتيبها بالسر تحت ستار التهويل بخطر النفايات المتراكمة والخوف من افشال المخطط الجديد للتخلّص منها. الا ان النفايات كانت تتراكم على مدى الاشهر الستة الماضية، ولم تكن الحكومة تطرح مخططاتها بمعزل عن منطق "الصفقة"، لذلك بقيت تنتقل من طرح خيار سيئ إلى خيار أسوأ الى ان رسا الامر على التصدير.
لم تكتفِ الحكومة باللجوء إلى الخيار الاسوأ والاكثر سوءا، بل قرّرت التنفيذ بأسوأ الطرق ايضا. استعانت بالكتمان لقضاء حوائجها. لم تلجأ إلى إعلان عام يحدّد حاجتها وطريقة التلزيم ومدّته وتقديم العروض، وفق احكام قانون المحاسبة العمومية، بل اعتمدت على ما أتاها من عروض بواسطة رجال اعمال، يصعب تصديق عدم ارتباطهم بأصحاب النفوذ. انتقت من بين هذه العروض عرضين فقط، ولم تذكر، وفق "الأخبار"، أسباب رفض العروض الباقية ولا المعايير التي اعتمدتها في انتقاء العرضين المقبولين.
في ظل هذا التعتيم، تم ايضا وايضا تجهيل الجهات التي فاوضت واقترحت وقرّرت. عُرض الملف على مجلس الوزراء وتم اقراره من دون مناقشة جدّية على الرغم من معارضة التيار الوطني الحر وحزب الكتائب.
ينص قرار مجلس الوزراء على التالي:
ــ تكليف مجلس الإنماء والإعمار مهمة تلزيم تصدير النفايات البلدية، الناتجة عن محافظة بيروت وقسم من محافظة جبل لبنان، إلى خارج الأراضي اللبنانية، والتخلّص منها وفقاً للقوانين المحلية والمعاهدات الدولية المبرمة والمرعية الإجراء في نقل النفايات ومعالجتها والتخلص منها.
ــ الموافقة المبدئية على التعاقد من كل من شركة Howa BV (هولندية) و Chinook Urban Mining International (بريطانية)، لتصدير النفايات البلدية.
ــ الزام الشركتين المذكورتين تقديم كفالة مصرفية بقيمة 2.5 مليون دولار خلال مهلة أسبوع من تاريخ إبلاغها الموافقة المبدئية، وتقديم المستندات المفروضة وفقاً للمعاهدات الدولية والقوانين المحلية للدولة أو الدول المستقبلة للنفايات، التي تثبت موافقة هذه الدول على التخلص من النفايات على أرضها، وذلك خلال مهلة شهر. وتلغى الموافقة المبدئية في حال عدم تقديم الكفالة المصرفية، وفي حال عدم تقديم المستندات، ويكلف مجلس الإنماء والإعمار استدراج عروض جديد.
ــ التعاقد مع الشركتين خلال مهلة أسبوع من تاريخ إيداعهما المستندات، على أن يكون العقد لمدّة 18 شهراً وأن تكون كلفة الترحيل 125 دولاراً.
ــ التعاقد مع استشاري للاشراف على عمليات الترحيل.
ــ التفاوض مع شركة Chinook Urban Mining International لتشغيل منشآت الفرز والمعالجة في نطاق عمل المشغل الحالي لبيروت وقسم من جبل لبنان وفق عرض الشركة البالغ 25 دولاراً للطن الواحد والتعاقد معها في حال كان عرض الشركة يتلاءم مع متطلبات تصدير النفايات ومع كلفة التشغيل.
ــ الاستمرار في تسيير منشآت الفرز والمعالجة من قبل المشغل الحالي (سوكومي) والمشرف الحالي، وذلك ابتداء من تاريخ 17/7/2015، على أن ينتهي تكليف المشغّل والمشرف الحاليين في حال الاتفاق مع شركة Chinook Urban Mining International.
ــ تحميل الصندوق البلدي المستقلّ نفقات النظافة وجمع النفايات ومعالجتها والتخلص النهائي منها. تقتطع نسبة تحدّدها وزارة المال من هذه النفقات من حصّة البلديات المستفيدة من هذه الخدمات، على ألا تقل عن 30% ولا تزيد على 60% من عائدات كل بلدية من الصندوق.
يعتبر بعض الخبراء ان صياغة بنود هذا القرار تخفي الكلفة الفعلية للتصدير، اذ ان حسابا بسيطا يبين ان الكلفة الفعلية ستتجاوز 230 دولارا للطن بعد احتساب كلفة عقود الكنس والجمع والنقل الداخلي، وبعد احتساب كلفة التخفيض الذي طرأ في عرض الشركة البريطانية على كلفة الفرز والمعالجة الى 25 دولارا للطن. يقول المنسّق العام للإئتلاف المدني رجا نجيم لـ "الأخبار" إن "السعر المعلن لكلفة النقل قائم على حسابات ناقصة يُراد منها التضليل، فهو لا يشمل كل رسوم الإستقبال في بلد المقصد، ولم تؤخذ العمولة بالاعتبار كون الحكومة تتعامل مع شركات وليس مع دول موقعة لاتفاقية بازل. وهناك أكلاف لم تحتسب مثل بدل التعقيم الضروري، ومعالجة المناطق التي كانت مُخزنة النفايات ضمنها، وكذلك البدل الإضافي لتحضير وتجهيز ونقل قسم من النفايات من المناطق البعيدة عن المرفأ والمتواجدة في قعر الأودية وسفوح التلال".
تخلص المصادر المطلعة الى ان كلفة الترحيل ستزيد حتما عن الكلفة التي كانت تُدفع لشركة سوكلين، الا ان الزيادة ستكون بحدود 50 دولارا، إذ تحصل سوكلين اليوم بموجب عقد الجمع والكنس والنقل على 50 دولاراً للطن الواحد. وخُفضت قيمة المعالجة والفرز والتسبيخ والكبس الذي تقوم به سوكومي من 50 دولاراً إلى 25 دولاراً. يضاف إلى مجموع هذه الكلفة، مبلغ 125 دولاراً للترحيل، ما يعني ان الكلفة ستكون بحدود 200 دولار للطن من دون احتساب كلفة النقل الداخلي.
في ضوء هذه الكلفة المرتفعة جدا (مهما كانت الحسابات) تبرز قضية تحميلها للصندوق البلدي المستقل، اذ ان الالية المطروحة في قرار مجلس الوزراء لا تغطي كل الكلفة، فهل ستتولى الخزينة العامة تسديد الفارق ام ان الحكومة ستعيد تجربة مراكمة الديون على البلديات؟ اذا كانت الخزينة ستتحمل جزءا من الكلفة فان ذلك لن يكون عادلا للبلديات التي ترك أمر نفاياتها على عاتقها.
يبقى السر في هوية الشركتين محليا! هناك شائعات عن تورّط اكثر من "زعيم"، الا ان مصادر معنية بالقرار افادت بان الشركتين قدّمتا عروضهما من دون وسطاء محليين، لكن عندما رسا الأمر عليهما تحرك أصحاب النفوذ نحوهما، إلا أنه لم ترشح معطيات جديّة عن الشركاء اللبنانيين المستفيدين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك