جاء في صحيفة "الجمهورية": بعد جهود مضنية كان قد بذلها منذ انتخابه، نجح رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في تأليف هيئة حوار من 20 عضواً منبثقة من انتخابات 2009، تراعي بين الغالبية التي أفضت إليها تلك الانتخابات وتمثيل الأقلية، فضلاً عن أخذه في الاعتبار التوازن التمثيلي للطوائف بين هذين الفريقين.
بالصيغة الجديدة تلك، التأمت طاولة الحوار الوطني في ثلاث جولات في 9 آذار و15 نيسان و17 حزيران 2010، وأخفقت في الاجتماع بتاريخ 4 تشرين الثاني، بسبب مقاطعة أفرقاء أساسيين جلسات مجلس الوزراء جرّاء إصرار رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري على عدم إدراج ملف شهود الزور في جدول الأعمال، فذهب مجلس الوزراء بطاولة الحوار الوطني، وانقطع كلياً التواصل بين الطرفين، وخلفه التشنّج المذهبي داخل طائفة رئيس الحكومة، وبين تيّار "المستقبل" و"حزب الله" الذي لا يزال يجرجر ذيوله حتى الآن.
وحسب مصادر سياسية فإنّ الغالبية والمعارضة تلتقيان على التئام طاولة الحوار بشروط، إلّا أنّ كلاً منهما تودّ استخلاص نتائج معاكسة للأخرى، بحيث تتوخى قوى 8 آذار من هذا الانعقاد انتزاع اعتراف الفريق الآخر بالشرعية الجديدة، الممثلة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي لا يزال ينكرها.
أمّا الفريق الآخر، القاطع في رفضه المشاركة، فهو يصرّ على ما لن يحصل عليه، وهو انتزاع التزام مسبق من قوى 8 آذار يتصل بثنائية ما يعدّه سلاحاً غير شرعي في أيد غير شرعية، هي ثنائية سلاح "حزب الله" وسلاح المعسكرات الفلسطينية خارج المخيّمات.
وتجزم الأوساط أنّ في ظلّ بندين متناقضين أصبحا واحداً من أسلحة المواجهة بين الغالبية والأقلية، تمسي الآمال المعقودة على طاولة الحوار الوطني ضئيلة، إن لم تكن شبه معدومة وتصبح بالتالي حظوظ الرئيس سليمان لاستعادة موقعه التوافقي في تراجع مستمر.
وتتابع المصادر عينها بالقول: هناك حاجة ماسة قبل انعقاد طاولة الحوار الى إظهار هذه الحكومة قدراتها على مواجهة ما تقول إنها أقدر على القيام به وحدها من دون سائر الشركاء في الوطن بلا ادعاء او مكابرة وخصوصا ان أفرقاء هذه الحكومة سبق أن أسقطوا بنوداً اتفق عليها في الحوار لأسباب يعتبرونها مبرّرة فيما لا يراها الآخرون كذلك، كالتراجع عن التوافق الذي أقر حول المحكمة الدولية على طاولة الحوار في المرحلة السابقة، إضافة الى ان الاتهامات بالعجز عن إتمام أي أمر، التي كان يوجّهها فريق 8 آذار الى خصومه على رغم مشاركته في السلطة تدفع الآخرين الى امتحانهم في ما يمكن ان يقدّموه من دون وجود تغطية من الشركاء الآخرين من خلال طاولة للحوار يراد لها ان تبحث في الأمور السياسية بما يتعدّى موضوع سلاح "حزب الله" المدرج تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية.
وأوضحت المصادر السياسية: "كان من الأفضل لو أعدّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لموضوع استئناف الحوار بعيداً من الإعلام على رغم أن دوره يملي عليه القيام بمبادرات من أجل إعادة الحوار بين اللبنانيين، إذ ان فتوراً، لا بل استياء طرأ على العلاقة بين رئيس الجمهورية وأحد الافرقاء الأساسيين أي المعارضة نتيجة ما تأخذه عليه من انحياز وتخليه عن دوره الوفاقي حين أرجأ أسبوعا المشاورات النيابية التي كانت ستعيد الحريري الى رئاسة الحكومة مما أتاح في المجال للضغوط من أجل تبديل الأكثرية في الأسبوع الذي تلاه، ومع ان التواصل مستمر مع رئيس الجمهورية فإنّ العلاقة تحتاج الى ترميم وخصوصاً ان فريق 14 آذار كان مدافعاً قوياً عن الرئاسة الاولى والرئيس سليمان في خضم حملات قوى 8 آذار عليه بقيادة العماد ميشال عون وقد يحتاج هذا الفريق الى ان يظهر الرئيس سليمان قدرته على عدم انحياز الحكومة وتأمين التوازن فيها في غياب الخلل السياسي القائم من أجل استعادة الثقة قبل انطلاق الحوار".
وتلفت المصادر الى أن ثمّة مسألة تبدو في الظاهر شكلية إلا أنها تقع في لبّ التوازن السياسي الجديد المنبثق من تكوّن غالبية نيابية جديدة بعد انهيار الأكثرية التي مثلتها قوى 14 آذار منذ انتخابات 2009 حتى مطلع السنة الحالية، عندما أطيحت حكومة الرئيس سعد الحريري، هي أن الطاولة السابقة للحوار الوطني لم تعد في ذاتها صالحة للمضي في عملها، وغير قادرة على مراعاة توازن القوى السياسية الجديد.
وعلى هذا الأساس يرفض تيار المستقبل وحلفاؤه المشاركة في جولة جديدة من الحوار الوطني لأسباب مرتبطة مباشرة بفقدانهم ترجيح الكفة التمثيلية على هذه الطاولة، رغم أن هذه لا تحتكم إلى التصويت، ولا تحلّ محل المؤسسات الدستورية، وهنا تقع على رئيس الجمهورية مسؤولية نجاحها لأنه بات الشكل الجديد لطاولة الحوار جزءاً أساسياً من نجاح مهمّتها، في منأى عن جدول الأعمال الذي لم يتمكن الرئيس سليمان من وضعه حتى الآن .
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك