مما لا شك فيه أن لبنان عانى من أزمات سياسية وأمنية كادت أن تقضي على ما تبقى من أمل للبنانيين بالعيش الكريم... وغالباً ما ترافقت هذه الأزمات بأخرى اقتصادية واجتماعية أثرت بشكل كبير على مختلف القطاعات اللبنانية وحوّلت اللبناني الى أسير أزمة اقتصادية خانقة بات السكوت عنها وعن وضع المواطنين الذي يرثى له جريمة بحق وطن لطالما تباهى بأنه منارة الشرق الأوسط...
ففي كلّ البلدان, ودون أي استثناء, تصب مصالح الشعب وحياته اليومية في أولويات الحكومة والمجلس النيابي... ما عدا لبنان، فغالباً ما تكون هموم المواطن ومشاكله والأزمات المعيشية في آخر اهتمامات المجلس النيابي والحكومة...
ولعلّ أبرز مظاهر الأزمة الإقتصادية التي تطوّق أعناق اللبنانيين هي مسألة تعليم الأولاد التي تحولت في لبنان من حق الى همّ يثقل كاهل الأهل في ظلّ رفع كلفة الأقساط المدرسية...
بما أن المدارس الرسمية في لبنان تحوي 296 ألف تلميذ وكلفة الكتب تتراوح بين 50.000 ليرة لبنانية في الصفوف الابتدائية و250.000 ليرة للصفوف الأخرى... فإن تكلفة الولد الواحد في المدرسة الرسمية تقارب المليون ليرة لبنانية اذا أراد التقيد بقوانين المدرسة وارتداء البذلة الرسمية التي تفرضها ادارة المدرسة وشراء القرطاسية وحقيبة المدرسة وغيرها من الأدوات، وطبعاً اذا أصر أهله على ارساله في الباص(Autocar ) لتأمين وصوله سالماً الى المنزل...
وبما أن التعليم يجب أن يُرفق بحياة يحافظ فيها الانسان على كرامته فمليون ليرة (أي أجرة عمل الوالد لشهرين اذا كان يتقاضى الحد الأدنى للأجور) لن تكفي العائلة لحياة كريمة في ظلّ الارتفاع الجنوني لأسعار السلع وتأرجح ثمن صفيحة البنزين...
وفي هذا الاطار وانطلاقاً من اهتمام منسق اللجنة المركزية في حزب الكتائب النائب الشاب سامي الجميّل بالمواطن وحياته اليومية وفي ظلّ تفوق شعور المواطنية على أي شعور آخر، تقدم الجميّل أول الأسبوع المنصرم بإقتراح قانون "مجانية الكتب المدرسية" بعد أن تناهت اليه صرخة الأهالي بسبب امكانية زيادة أجور الأساتذة وزيادة الأقساط المدرسية وارتفاع أسعار الكتب والقرطاسية والنقل خصوصاً وأن العديد من العائلات باتت عاجزة عن تأمين أقل حقوق الأولاد من العلم والمعرفة"...
تقدم باقتراح هذا المشروع عندما تذكّر ما ينساه أو يتناساه أكثرية ممثلي الشعب والسلطة التنفيذية في لبنان بعد أن تحول لبنان الى بلد تتقاطع فيه المصالح الخاصة بالمشاريع الاقليمية ومطالب الشعب
وبما أن المجتمع اللبناني هو من المجتمعات التي تتمتع بدرجة عالية من العلم والثقافة وحق التعلم, الأمور التي تدخل في صلب حقوق الانسان الأساسية، فيبقى تأمين التعليم للأطفال من أقل واجبات الدولة ليتطبق المثل الشائع بأن "العلم نور"...
لماذا تقدم النائب الجميّل باقتراح مجانية المدارس وعلى ماذا يقوم هذا المشروع؟
يدفع أهالي التلاميذ في مطلع كل سنة دراسية مبالغ مالية لشراء الكتب المدرسية لأبنائهم، تُضاف إلى الأقساط والقرطاسيّة واللوازم وأجور النّقل، في حين أنّ المدارس الرّسميّة قادرة على تأمين هذه الكتب مجّانًا عن طريق الإعارة بحيث يتداولها التلاميذ ويُعيدونها بعد استعمالها في بداية كلّ عام إلى مكتبة المدرسة.
وبما أنه يعاد طباعة الكتب المدرسيّة في المدارس الرّسميّة كلّ عام دون تغيير مضمونها أو يتم تلفها في نهاية كلّ سنة دراسيّة ليُعاد بيع ما تبقّى إلى المكتبات العامّة التي تعرضها للبيع من جديد، فالمدارس الرّسميّة قادرة بلجانها الماليّة الرّسميّة وأمناء المكتبات لديها على تولّي أمر توزيع هذه الكتب على التلاميذ واستعادتها في نهاية كلّ عام دراسيّ بموجب قيود خصوصاً وأن المشروع أثبت في كثير من الدول التي سبقتنا في اقراره أنه يوفّر المال العامّ ويدعم الأسر الّتي تعاني مفاعيل الغلاء المتزايد والمصاريف المدرسيّة على أنواعها".
قد يكون أكثر ما شجع الجميّل على التقدم بمثل هذا الاقتراح هو ضئالة الأعباء المالية لهذا المشروع بالنّسبة لما تدفعه الدّولة كمصاريف أخرى غير منتجة( فهو لا يكلف الدولة سوى 8 مليون دولار وهذا يعد مبلغ قليل جدا مقارنة بالميزانية التي تحصل عليها وزراة التربية والتعليم العالي خصوصاً وأن الدولة هي من تنتج الكتب الرسمية وتقوم بطباعتها، وبالتأكيد فإن كلفة الطبع ستقلّ لأن عدد الكتب المطبوعة سيصبح أقل نظراً لاعادة استعمالها من سنة الى سنة).
كما أن اقتراح المشروع كان بعد مصادقة الدّولة اللبنانيّة على الاتفاقيات التي تعنى بالتّعليم وبما أن الدستور يؤكّد الالتزام بمواثيق الأمم المتّحدة وينصّ على أن التّعليم حقّ في لبنان اضافة الى حرص وثيقة الوفاق الوطنيّ على الحقّ في التّعليم وجعله الزامياً في المرحلة الابتدائية، وعلى حرية التّعليم وفق القانون، وبعد اقرار المجلس النّيابيّ اللبناني إلزاميّة ومجّانيّة التّعليم حتّى عمر الـ15 سنة".
كيف يتم التعامل مع هذا المشروع اذا التفت المعنيون الى هموم المواطن وأقروه؟
توزع الكتب المدرسية القابلة لإعادة الاستعمال على التلاميذ المسجّلين في جميع المدارس الرّسميّة في مرحلتي التعليم الاساسي والثّانوي مجاناً على سبيل الإعارة لمرّة واحدة فقط في السنة بحيث يمكن للتلاميذ استخدامها في السنوات الدراسية اللاحقة شرط أن تكون ملكية جميع الكتب عائدة للادارة التربوية.
ولكن يجب أن يسلّم في بداية السنة الدراسية أمين المكتبة في كلّ مدرسة رسمية الكتب المقررة لكلّ تلميذ مسجّل وفق استمارة تظهر اسم الكتاب ورقمه والحالة التي أعطي فيها على سبيل الإعارة على أن تحمل توقيع أمين سر المدرسة وولي أمر التلميذ.
وبما أن الاقتراح يقوم على اعارة الكتب المدرسية بحيث يتاح لأكبر عدد ممكن من التلاميذ استخدامها، فعلى كلّ تلميذ أن يعيد الكتب التي أعطيت له على سبيل الإعارة إلى أمين المكتبة الّذي بدوره يقوم بالكشف عليها، وإذا كانت في حالة جيّدة يوقّع الاستمارة ليبرزها التلميذ لدى إدارة المدرسة من أجل الحصول على إفادة بعلاماته المدرسية.
وفي حال أضاع التلميد الكتب أو لم يردها أو أتلفها بشكل لم تعد فيه صالحة للاستعمال، فعلى وليّ أمر التلميذ أن يدفع ثمنها، وفي حال عدم دفع ثمن الكتاب لا يحصل ولي أمر التلميذ على الاستمارة اللازمة ليبرزها لدى إدارة المدرسة من أجل الحصول على إفادة بعلاماته المدرسيّة.
ولكن ماذا ان أراد أهل التلميذ نقله الى مدرسة أخرى خلال العام الدراسي؟
في هذه الحالة عليه اعادة الكتب التي أعطيت له على سبيل الإعارة، ولا يمكنه ان يتسجّل في المدرسة الجديدة إلاّ بعد أن يبرز إفادة تفيد بأّنه قد سلّم الكتب إلى مكتبة المدرسة السابقة، على أن تقوم إدارة المدرسة الجديدة بإعطائه كتباً بديلة على سبيل الإعارة.
من جهة أخرى، يتمّ استبدال الكتب المدرسية القديمة أو الّتي فقدها التلاميذ بكتب جديدة، بناء على طلب يرفعه مدير المدرسة ويوقّعه أمين المكتبة في المدرسة إلى الإدارة التربوية في بداية كلّ عام دراسيّ ، بعد الكشف على جميع الكتب المعطاة للتلاميذ المسجّلين في مدرسته على سبيل الإعارة، كما يسلّم المبالغ الّتي استوفتها المدرسة من ذوي التلاميذ عن الكتب الّتي لم تعد صالحة أو فُقدت إلى الإدارة الماليّة المختصّة الّتي تعيّنها وزارة التّربية والتّعليم العالي لهذه الغاية، وتسلّمه الإدارة التربوية عددًا جديدًا من الكتب بعد تسلّمها الكتب الّتي لم تعد صالحة للاستعمال وإحصاء ما فقد منها.
وبالطبع وتلقائياً، يتم تجديد الكتب المدرسية كلما تعدّلت المناهج التّربوية، كما تتحمّل وزارة التربية والتعليم العالي تكاليف الكتب المعطاة للتلاميذ على سبيل الإعارة.
اقتراح هذا المشروع قدم من قبل النائب الجميّل... والمطلوب اليوم اقراره وليس وضعه على "الرفّ" كغيره من الاقتراحات التي لا تتشابك والمصالح الاقليمية خصوصاً وأن تكلفة المشروع تشكل نسبة ضئيلة من موازنة وزارة التربية والتعليم العالي اضافة الى أن الوضع الاقتصادي في لبنان قد تخطى الحدود المعقولة وبات اللبناني يتخبط في زمن يهدد لقمة عيشه وكرامته...
فهل سيتحرك المجلس النيابي واللجان المعنية للأخذ بهذا الاقتراح على اعتبار أن التعليم يبقى أفضل ضمان للحرية من أسلوب آخر؟!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك