لا، لم تأت الثورات العربيّة بفعل تآمر دولي.
لا. لم تنطلق شرارة التغيير من واشنطن، لكن هناك من يسعى إلى ركوب أمواج التغيير في العالم العربي، وتطويع حصان التمرد، والوصول إلى السلطة على صهوة تمرد الناس على أوضاعهم.
ولن يتوقف التغيير في حال نجاح الثورة المضادة عند حدود الدول العربية المعنية مباشرة بالثورات، لكنه سيطال كل دولة في المنطقة، وسيكون يومها نهاية النضال الفلسطيني، ونسيان حق العودة، وبداية مواجهة المقاومة في لبنان بخطاب شبيه بخطاب الشيخ القرضاوي.
فلا الثورات العربية صنيعة الشيخ أسامة بن لادن، ولا هي نتاج الحراك الإسلامي، المشلول سابقاً، وإلى عهد قريب مصاب بالعقم، ولا بقايا الأنظمة في تونس ومصر وليبيا هي التي تقود الثورة المضادة، بل باختصار وبحسب من يتابعون عن قرب القضايا العربية والإسلامية، وهم من مشارب وبلاد مختلفة، فإن قناة «الجزيرة» هي التي تمثل أبرز معالم الثورة المضادة، ومن خلفها قطر ودول الخليج، وسلسلة من الحوارات واللقاءات بين أقطاب إسلاميين وإدارات غربية وأميركية.
إذاً، أصبح للعرب إسلامهم الثوري، الذي سيسبّب إحباطاً لكل ما قامت من أجله الثورات في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن وسوريا وغيرها، وسينطلق الإسلام الثوري، أو لنقل الإسلام الحديث، في انعطافة طويلة زمنياً، وقاسية سياسياً، ملتفّاً على كل ما رفعته الشعوب من مطالب، فلا الحرية ولا إسقاط أنظمة الذل والفساد سيكونان من الأولويات، وعرب أميركا الذين يتحدثون اليوم عن أحوال غزة بعد سيطرة حماس على السلطة هناك سيترحّمون في الأعوام القليلة المقبلة على غزة وحماس وتجربة الحكم «الإسلامي» هناك.
ستكون الصورة أقسى وأشد وطأة، إذ إن الأمور، ومن اليوم، تشي بما ستكون عليه الأحوال في المستقبل القريب. والحذر الذي يمارسه الإسلاميون اليوم في مقاربة ملفات السلطة، والتأسيس لأحزاب مدنية لخوض الانتخابات على نصف مقاعد البرلمان في مصر، والتلاقي (الشكلي) مع الأقباط هناك، هو من ضرورات الحذر في مقاربة تسلّم مقاليد السلطة، وخاصة أن الطموح الفعلي أبعد من مصر، وأبعد من تونس واليمن، ويصل إلى سوريا وإلى دور في الأردن، وإلى حلول على حساب المملكة الهاشميّة وغيرها.
وحماس اليوم تقف بخطابات متنوعة، بين الإحراج من اتخاذ موقف في سوريا، والانسحاب من سوريا نحو سكن مؤقت في لبنان، ونحو دول رفض بعضها استقبال قيادييها، ولو بانتظار انتقالهم إلى غزة، وحماس التي اتجهت إلى المصالحة دون وضوح في خيارها الأساسي في حفظ المقاومة.
غرباً، تأتي المعلومات بأن من يلتقون بالجهات الأميركية والأوروبية المعنيّة بالمنطقة من الإسلاميين، وخاصة أولئك المقيمين في الغرب، يؤكدون أن الإسلام الذي يحمله الإخوان في العالم العربي هو إسلام آخر مختلف تماماً، ونموذجه لم يعرف سابقاً وهو أكثر تطوراً حتى من الإسلام التركي الحاكم حالياً، وهو ما بات يردد في وسائل الإعلام على لسان الإخوانيين.
وفي الغرب، كان إخوانيّون يؤكدون التزام جماعتهم بأمرين، الأول هو انعدام النيات الحربية لديهم في حال الوصول الى السلطة في الدول العربية، وفي كل الدول التي يوجدون فيها، فهم لن يغيّروا في المعطيات القائمة بين هذه الدول وإسرائيل، كما أنهم لا يملكون أي نيات لتسعير الصراع معها. والأمر الآخر هو الطاقة، حيث لن يتأخر الإخوان في حال الوصول إلى السلطة في إمداد الغرب بها، ولن تختلف الإمدادات عما هي قائمة عليه حالياً.
ومع انسحاب الإخوان من مكان الى آخر، أو قل تحوّلهم البطيء من قوى معارضة الى سلطة، وتسللهم الى السلطة بهدوء وبعيداً عن الضوء، وأدائهم دور الثورة المضادة، وتحت شعار المشروع الإسلامي العربي الجديد، يمكن بسهولة توقع مصير النزاع السني ـــــ الشيعي في المنطقة، انطلاقاً من توصيف الحراك الشيعي بالتبعية لإيران.
تالياً، يمكن التكهن بسهولة بمصير المقاومة في لبنان وفي المنطقة، إذ إنها ستحاصر بالمزيد من الشعارات المذهبية، وستكون لزوم ما لا يلزم في منطقة تتحول نحو الانفتاح على الحريات (نظرياً)، وعلى الغرب من بوابة الانتخابات وصناديق الاقتراع. ستصبح المقاومة فعلاً زائداً، أو قوة مضى عليها الزمن لقضية لم يعد أحد يذكرها.
بعبارة أخرى، ستواجه المقاومة غداً مصير بن لادن اليوم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك