تحلّ بعد أيّام ذكرى بدء الحرب اللبنانيّة في 13 نيسان 1975، في وقتٍ يعيش لبنان في مرحلة وسطى ما بين الحرب والسلم. أما جديد مسلسل الأزمات اللبنانيّة فيرتبط بتداعيات الحرب الدائرة في اليمن، والمرجّحة لأن تطول في ظلّ عدم قدرة أيّ من اللاعبين الإقليميّين على الحسم السريع، الى جانب الأزمة التي دخلت شهرها الحادي عشر من دون أن تُنجب رئيساً للجمهوريّة. وهي أزمة مرجّحة أيضاً لأن تطول، لأكثر من عامل محلّي وإقليمي.
يمكننا القول، بضميرٍ مرتاح، إنّ ما من فريقٍ سياسيٍّ لبناني إلا وله ارتباط بجهة خارجيّة، دعماً أو تمويلاً أو، على الأرجح، الاثنين معاً. ما من وطنيّةٍ مكتملة لدى غالبيّة السياسيّين، بل مصالح تتحكّم بمواقفهم وقراراتهم. أما نحن، أي الشعب، فنتحوّل، من حيث ندري أو لا ندري، الى أتباعٍ لتابعين، فإن ذهب هؤلاء يساراً ذهبنا، وإن استداروا يميناً استدرنا. لا حريّة ولا سيادة ولا استقلال، بل أنّ الشعار ظلّ صدى يتردّد في تلك الساحة المليونيّة التي كانت حلماً لم يحافَظ عليه.
لقد سرق منّا السياسيّون كلّ شيء. سرقوا بعضاً من كرامتنا والكثير من مالنا. سرقوا حلمنا بوطنٍ لا فساد فيه ولا محسوبيّات.
لا نريد "سعودة" لبنان ولا نريد "أيرنته"! نريد لبنان الصافي المتنوّع الذي يتّسع للمتديّن من دون أن يكفّر الآخرين، وللمثقّف والفنّان ورجل الدين والعلماني والملحد. نريد لبنان الحريّة في أن يمارس أيّ منّا معتقداته الدينيّة والسياسيّة والفكريّة، فلا يفرض أحدٌ معتقداً أو أسلوب حياة على الآخرين، ولا تتلوّن المناطق بألوان المذاهب والأحزاب، فنغرق في تقسيمٍ مقنّع. نريد لبنان الذي يتساوى فيه الجميع، حقوقاً وواجبات، فلا ترتفع الأبنية المخالفة في منطقة، بلا محاسبة، وتتحرّك الأجهزة الرسميّة كلّها من أجل شبّاك ألمنيوم في منطقةٍ أخرى!
لا نريد لبنان قندهار ولا طهران. نريد لبنان المسيحي والمسلم. ولنقلها بصراحة، إن فَقَدَ هذا الوطن "وجهه" المسيحي فَقَدَ هويّته و"نكهته" وعلّة وجوده. من هنا، على المسلمين أن يبادروا الى حماية هذا "الوجه"، مع اعترافنا بأنّ الكثير من السياسيّين المسيحيّين قصّروا ويقصّرون في ذلك، في حين أنّ الكنيسة، بمختلف مذاهبها، منشغلة بأمورٍ كثيرة والمطلوب واحد، وبعض رجال الدين غارقين في الفساد، بأشكالٍ مختلفة، وهو ما يندى له جبيننا خجلاً...
في الأمس القريب، سارع زعماؤنا الى اتخاذ موقفٍ ممّا يحصل في اليمن. منهم من أيّد السعوديّة ومنهم من أيّد إيران، ومنهم من التزم الصمت خشيةَ أن يتبخّر حلم الرئاسة. حبّذا لو يهتمّ هؤلاء بلبنان أكثر ممّا يهتمّون بفلسطين وسوريا ومصر والعراق... وصولاً الى اليمن. حبّذا لو يلتفتون الى مئات آلاف اللبنانيّين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر. حبّذا لو يصلحون إدارةً رسميّة واحدة. حبّذا لو يجدون حلّاً لأحد أعمدة التلوّث المنتشرة في المناطق اللبنانيّة...
يكفينا حروباً وأزمات بالنيابة عن الآخرين. فلننطلق الى بناءٍ وطن بعد أن عشنا، منذ تأسيس دولة لبنان، في مزرعة مستباحة. وإذا كان نيسان يبدأ بكذبة ويشهد في منتصفه ذكرى لبنانيّة أليمة، فلنعش على أمل أن يختتم بانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. هل هناك من يعدنا بمثل هذا "الوعد الصادق"؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك