شكّل وسط بيروت، منذ منتصف التسعينيات، نموذجاً عن لبنان الجديد الذي تمّ بناؤه بعد الحرب، حجراً وأسلوب عيش. شهد الوسط فورة مشاريع وافتتاح مؤسسات تجاريّة ومصارف وشركات ومقاهٍ وملاهٍ ليليّة... كان الوسط أشبه بالقلب الذي ينبض، يسرق الأضواء في المناسبات ويجذب السيّاح وأبناء البلد.
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، على تخوم هذا الوسط، ثمّ تحوّل هذه البقعة الجغرافيّة للتظاهر والاعتصامات وجلسات الحوار، عانى الوسط، خصوصاً مع غياب السيّاح وبروز المجمّعات التجاريّة، من تراجع مخيف في عدد الذين يقصدونه، ما أدّى الى إقفال عددٍ من المؤسسات وتوقّف بعض الاستثمارات الموعودة، المحليّة والخارجيّة. فما عاد الوسط وسطاً، وما عاد القلب يخفق كما كان.
كان البعض يشكو في السابق من الغلاء الكبير في أسعار السلع التي تباع في وسط بيروت، وخصوصاً في المقاهي والمطاعم، أما اليوم فتشتهي هذه أن يزورها سائح أو مغترب أو حتى مقيم لينتشلها من خطر الإقفال الذي دفع بشركة "سوليدير" الى التساهل في تحصيل الإيجارات، للحؤول، قدر الإمكان، دون إقفال المزيد من المؤسسات خصوصاً في الشوارع المتفرّعة من ساحة النجمة.
فرغت الشوارع في وسط بيروت، تماماً كما كانت فارغة في أيّام الحرب اللبنانيّة، إلا من القنّاصة وبعض الزعران. الفارق اليوم أنّ الأبنية شاهقة وتمزج بين الحداثة والعراقة، والشوارع منظّمة ونظيفة. فمتى تستعيد الشوارع ناسها وتستعيد المؤسّسات زبائنها؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك