يهتم ديبلوماسيون معتمدون في بيروت بمعرفة ما الذي يشغل اللبنانيين أكثر في هذه المرحلة، هل هو موضوع تأليف الحكومة وما ستؤول إليه أم هو موضوع التطورات المستجدة في سوريا. ويلحظون أن موضوع الحكومة لم يعد يحتل أهمية تذكر على رغم اعتبار هؤلاء الديبلوماسيين أن هناك سلبيات لم تكن لتحصل ربما كانت هناك حكومة كما هي الحال بالنسبة الى خطف الأستونيين السبعة في البقاع أو موضوع تمرد السجناء في سجن رومية أو الأزمة مع بعض الدول العربية وفي ساحل العاج باعتبار أن الوضع كان سيكون أفضل بوجود حكومة تتحمل المسؤولية في ظرف سياسي مماثل. إذ إنه في هذه الأحوال جميعها كانت ثمة حاجة "خارجية" الى مرجعية واحدة مسؤولة لم تكن متوافرة بين حكومة تصريف أعمال وحكومة قيد التأليف. أضف الى ذلك أن هيبة الدولة ومؤسساتها كانت ستكون أفضل في الحالات المذكورة كما في موضوع وقف الاعتداء على الأملاك العامة كما حصل في الأيام الأخيرة الأمر الذي يساهم في إظهار المزيد من الاهتراء في مؤسسات الدولة. ويسجل هؤلاء، الى ذلك، الملاحظات الآتية:
- إن تطور الوضع في سوريا على النحو الذي حصل في الأسابيع الأخيرة سيساهم في إرباك أكبر في لبنان وفق ما أظهر التفاعل السياسي للاكثرية الجديدة مع هذا التطور. إذ ارتفعت وتيرة المواقف التصعيدية على وقع التحديات في الشارع السوري بحيث تثار تساؤلات عن إمكان نجاح تأليف الحكومة في هذه الحال او إمكان ان تنجح في أي أمر في حال تأليفها في ضوء التطورات بعدما أظهرت ان الانقسامات هي على حالها وربما أسوأ حيال كل المشكلات الأخرى علماً انه ليس واضحا الى أي مدى تود سوريا ان تأخذ الأزمة المبنية على موضوع الاتهامات. أضف الى ذلك ان الخيارات المقبلة للنظام السوري ستنعكس أيضاً على لبنان في حال اعتمدت طريق المواجهة في الداخل إضافة الى ما يعتقد أنه يمكن ان يثير مخاوف في ضوء ما يردده مسؤولون في لبنان من ان ما يصيب لبنان يصيب سوريا لجهة ما يفهم من ترجمة عملية لهذه المعادلة السياسية.
- ان الاهتمام او الثقة بأن تقدم الحكومة على تقديم أي حلول للمشكلات التي يواجهها لبنان قد تراجعا الى حد كبير وقد أصاب اللبنانيون الملل من الدوران في حلقة مفرغة من تصاعد الكلام على اقتراب ولادة الحكومة في منتصف كل أسبوع تقريباً والانتقال في نهاية الاسبوع نفسه الى إطلاق وعود حول الحكومة للأسبوع الذي يلي. إذ ان التطورات الداخلية إن لجهة تبني قوى 8 آذار الاتهامات السورية لفريق لبناني من دون اي دليل والاستعداد للذهاب الى أبعد من ذلك وفقاً لهذه الاتهامات الى جانب الخلافات حول مختلف الامور التي استجدت في الاشهر الثلاثة الاخيرة بما فيها موضوع التعدي على الاملاك العامة يفيد بأن الانقسام السياسي سيبقى هو نفسه ويزداد عمقا. وليس واضحاً حتى الآن اذا كانت الحكومة الجديدة في حال شكلت في ظل هذه المعطيات ستترك اي أثر إيجابي على الوضع السياسي أو الاقتصادي بحيث لا يتعدى وجودها تصريف بعض الأمور الملحة.
فالتطورات في الدول العربية كان ينبغي ان تفسح في المجال على الاقل لأن يعمل اللبنانيون على تأليف حكومتهم بأنفسهم من دون انتظار ضوء أخضر من الخارج. وقد أهدرت الأكثرية الجديدة هذه الفرصة التي أتيحت لها في إظهار القدرة على التوافق في ما بينها في تأليف حكومة تدير الوضع الداخلي في لبنان بحيث أطاحت عملياً أي ثقة في قدرتها على نقل لبنان كما قالت لدى إسقاط الحكومة السابقة الى مرحلة جديدة أو حتى على مقاربة الأمور بطريقة مختلفة. فحين يؤخذ على الأكثرية الجديدة استغراقها أكثر من ثلاثة أشهر حتى الآن في تأليف الحكومة من دون أي نتيجة يجري تبرير ذلك بأن تأليف الحكومة السابقة استغرق خمسة اشهر ولو ان السابقة كانت حكومة ائتلافية من موالاة ومعارضة في حين لا ينطبق الامر على الحكومة العتيدة. فكأنما الامر يقتصر على المنافسة او المقارنة على اساس الاقل سوءاً وليس على أساس محاولة تفضيل الأفضل.
- إن العجز عن تأليف حكومة من فريق واحد لما يزيد عن ثلاثة أشهر يعبر عن ازمة حقيقية في النظام السياسي بعد إثبات فشل الحكومات التي صنّفت حكومات "توافقية" كما لو ان البلد يقف لدى وقوع اي مشكلة عند تقاطع طرق ولا يعرف اي اتجاه يسلك على رغم وجود قواعد منظمة للسير على التقاطعات اي على رغم وجود دستور وقوانين. فاذا لم تكن ثمة حكومة من لون واحد تنجح او قادرة على الحكم ولا حكومات ائتلافية فلربما يتعين على الافرقاء السياسيين وضع هذا الموضوع على جدول اعمال طاولة حوار جدية جنبا الى جنب مع البحث في امن لبنان وموضوع الاستراتيجية الدفاعية انطلاقا من الحكومة العتيدة التي لن تعدو كونها حكومة انتقالية بحكم الامر الواقع وليس بحكم التطورات في الدول المحيطة
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك