في أزمة الكهرباء و"كلّ الازمات"... فتّش عن جبران باسيل. "شعبيّة" الرجل داخل بيته، التيّار الوطني الحر، هي نسبية. تجد المؤيّد "على العمياني"، والمنتقد، والمناقش لخياراته، والمتوجّس أيضاً من "حدود" دوره في رسم خارطة مصير "التيّار" في المستقبل... داخل البيت البرتقالي، لا يحبّ الجميع جبران باسيل لأسباب يختلط فيها الشخصي بالسياسي والتنظيمي، لكن أحداً من هؤلاء لا ينكر أنّ ابن البترون استقرّ كالشوكة في حنجرة المعارضة الحاليّة (الاكثريّة سابقاً). وعند المفترقات الصعبة توزّع الادوار على زملائه في "التيّار" لتعزيز مقوّمات الممانعة لديه أمام الاخصام، ومن بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. هكذا يستنفر النائب نبيل نقولا ضدّ "دولته" الذي يمارس، كما يقول، الكيديّة بحقّ الوزير باسيل بعد رفضه إدراج مشروع جرّ مياه نهر الاولي لمدينة بيروت على جدول أعمال مجلس الوزراء رغم أنّ مسودّة الاتفاقيّة موقّعة من البنك الدولي، ويختار النائب ابراهيم كنعان التوقيت المثالي، في عزّ حملة المعارضة على باسيل، للافراج عن الدراسة التي أعدّها حول صلاحيّات الوزير الماليّة، وخصوصاً صلاحيّاته في عقد النفقة وإجراء التلزيمات ودفاتر الشروط. أصلاً ومنذ دخول باسيل الحلبة الحكوميّة، حظي بتغطية شاملة من فريقه السياسي، على المنابر وشاشات التلفزة، رغم المآخذ الداخليّة عليه، ليس لادائه السياسي إنّما لحساسيّات محض تنظيميّة وأحياناً كثيرة شخصيّة. أمّا الداعم الاول والأكبر فهو ميشال عون، وآخر "دفعة على الحساب" إعلانه بعد إقرار خطة الكهرباء في الهيئة العامة لمجلس النواب بأنّ الفَضل في هذا الانجاز يعود أولاً لوزير الطاقة ثم فريقه السياسي ومجلس النواب...
"الشوكة الباسيليّة" في حنجرة الآذاريّين دفعت الكثير من خصومه الى تخطّي المتعارف عليه في أدبيّات التخاطب السياسي. يقول عنه رئيس لجنة الطاقة والمياه محمد قباتي إنّه "دجّال وكذّاب ولا يحترم عقول المواطنين" وصولاً الى حدّ اتهامه بالقيام "بسرقات موصوفة". ويتّهمه النائب محمد حجار "باستغلال منجم الطاقة وتحويل القطاع الى مصدر للاثراء غير المشروع والتعاطي بديماغوجيّة عالية مع خطّة الكهرباء والتصرّف بمليار و200 مليون دولار من دون رقيب!". ويعيب عليه النائب غازي يوسف لجوءه الى "الاسلوب الشعبوي والطائفي والتحريضي"، مؤكداً "بأنّه يتصرّف وكأنّه سيبقى على رأس وزارة الطاقة الى الابد". ويتّهمه النائب أحمد فتفت بتخريب ما تبنيه المعارضة، واصفاً اعتراضاته "بكلام ولاد"، ويقول عنه النائب انطوان زهرا "أنت وزير صدفة وقيادي صدفة ومناضل صدفة... وميليشياوي!!"، وسبق للنائب عقاب صقر أن هجاه قائلاً "أنت بلا أخلاق وتأدب"...
من دون ادنى شك، وتحديداً بعد العام 2005، تربّع الوزير باسيل على عرش، القياديين أولاً، ثمّ الوزراء "الأكثر كرهاً" لدى الخصوم. ثمّة من يعترف في فريق المعارضة اليوم "أنّ المشكلة مع باسيل شخصيّة وسياسيّة في آنٍ معا". لكن كان على هؤلاء أن يتعاملوا مع أمر واقع لا مفرّ منه. من وصفوه بـ "الدجّال والميلشيوي وسارق الاموال..."، ولدت في "عهد" وزارته أول خطّة شاملة للكهرباء منذ العام 1992 تحت سقف القانون والرقابة السابقة واللاحقة وبعيداً عن سياسة التنفيعات. وميشال عون بشّر على ابواب الهيئة العامة بجولة "ملاكمة" جديدة مع الوزير باسيل عنوانها خطّة المياه.
في كانون الاول من العام 2010 أطلق الوزير باسيل الاستراتيجية الوطنيّة لقطاع المياه تحت عنوان "المياه حقّ لكلّ مواطن وثروة لكلّ الوطن". جدول الاولويّات لدى "التيّار الوطني الحر" فرض يومها حسم خطة الكهرباء قبل المياه، خصوصاً أنّ حكومة الرئيس سعد الحريري كانت أقرّت مشروع القانون سابقاً. اليوم، وبعد انتهاء باسيل من معركة الكهرباء مبدئيّاً (حيث يؤكد مطلعون أنّ شياطين الخطّة تكمن في التفاصيل غير المتّفق نهائيّاً عليها بعد، وجاءت في إطار التأكيدات من جانب رئيس الحكومة وليس في متن القانون الذي أقرّ)، ينتظر وزير الطاقة من مجلس الوزراء أن يحوّل هذه الاستراتيجية الى خطة وطنيّة شاملة. يرى باسيل، الذي أطلق في نيسان الماضي المرحلة التنفيذيّة من خطّة السدود والبحيرات الجبليّة، أنّ البديل عن عدم تنفيذ هذه الخطّة هو الوسخ والملح. وهو يطلب مبلغ 7,66 مليون دولار لانجاز المشاريع المتعلّقة بالمياه عبر الحكومة والهيئات المقرضة والقطاع الخاص الذي سيدخل شريكاً في تنفيذ الخطة.
كثيرون يجزمون بأنّ الكباش حول المياه سيجعل اللبنانيّين يترحّمون على أيّام "الصراع الكهربائي"...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك