اعترض قراء أعزاء على ما كتبت بأنه من الأفضل عدم محاكمة الرئيس حسني مبارك إلا إذا كانت هناك تهم جرمية. وقال قارئ من مصر: «أنت لم تعان الذي عانيناه، وبلاش طيبة قلب». واتصل بي زميل من القاهرة قائلا: «بقالك سنين بتكتب عن القانون ودولة القانون، إيه اللي بيحصل ده، مش قانون؟»، وقلت له، هناك مسرحية للأخوين رحباني يقول بطلها: «العدالة أفضل من القانون، لأنها مشاعر والقانون متجمد».
وقد ازددت قناعة بما كتبت عندما سمعنا جميعا أن حسني مبارك يستجوب في المستشفى بانتظار حبسه على ذمة التحقيق. وأحب أن أوضح، للضرورة، أن من بين جميع الذين أدخلوا سجون «25 يناير» لم ألتق أحدا إلا الدكتور فتحي سرور في مصعد الشيراتون في قطر. وقد رويت الحكاية يومها، وكيف تصرف حراسه بفظاظة، وتصرف هو بكل رقي.
وللضرورة كذلك أحب أن أذكّر بأنني منذ ربع قرن أكتب عن سمعة القضاء المصري، ولا معرفة لي بالقانون وأصول المحاكمات، لكن هل من المعقول أن يرسل كل هذا العدد من المسؤولين السابقين إلى السجن خلال شهرين؟ هل كانت ملفاتهم معدة خلال هذه الفترة الزمنية؟ ثم إنني بكل صدق لست أعرف: هل هذا تصرف قانوني جائز أم هو سلوك انقلابي، بصرف النظر عن براءة أو ذنوب المعنيين؟
قلت لزميلي وصديقي العزيز إن أعز حلم قومي عندي هو قيام دولة القانون. وأكبر خوف عندي هو حال القانون في العالم العربي. وأنا متطوع بسيط في «المركز العربي للنزاهة وحكم القانون»، مهما كانت مساهمتي متواضعة. ومع ذلك أعتقد أنه ليس من الضروري إلحاق الإهانة برئيس مصر. وليس عدلا ولا شهامة أن هذا الرجل الذي كانت تقف له مصر، عن قناعة أو عن مهابة، لم يعد يلقى اليوم سوى من يريد أن يرجمه. ليست مسألة قانون بل مسألة قيم. لا فك مصاريع السجون بهذه الطريقة لائق، ولا أن ينكر جميع مصر معرفته بحسني مبارك يليق، رغم أن هذه طبائع البشر في كل مكان.
نفهم هذا التراكض للتقرب من ثورة «25 يناير»، خوفا أو فرحة أو أمانا أو قناعة. لكن هذا التبرؤ الكاسح، من رجل عاشت معه مصر ثلاثين عاما، كثير. وهذه الصورة التي تعطى عن مصر ترضي المنتقمين، وتسعد الثأريين، وتبهج المعارضين الحقيقيين وليس الطارئين. لكنها صورة مزعجة لمصر في العالم. ويجب أن نتذكر لحسني مبارك أن سجنه كان أضيق من سجون سابقيه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك