هل تكون الحكومة العتيدة برئاسة نجيب ميقاتي حكومة «لا غالب ولا مغلوب" وهو ما كان يتم الاتفاق عليه عند كل أزمة داخلية حادة وانقسام بين اللبنانيين أو بعد حروب؟ فمع نيل لبنان استقلاله عام 1943 وزوال النفوذ الاجنبي، تحرر الاداء السلطوي الوطني نسبياً من الضغوط التي كانت تمارس عليه من سلطات الانتداب، فراح رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي من بينهم رئيساً الى أن اصبحت الاستشارات نصاً دستورياً ملزما في اتفاق الطائف.
ولم تكن حكومة الاستقلال الاولى برئاسة رياض الصلح حكومة غالب ومغلوب لأن الغالب كان لبنان الاستقلال الذي لم يكن ثمة خلاف عليه بين اللبنانيين سوى على طريقة حماية هذا الاستقلال.
وعندما أطاحت "ثورة بيضاء" عهد الرئيس الشيخ بشارة الخوري كان بين اللبنانيين غالب ومغلوب، لكن الرئيس كميل شمعون الذي خلفه في سدّة الرئاسة الاولى رفض تشكيل حكومة من المعارضة التي كانت متمثلة بـ"الجبهة الاشتراكية الوطنية".
وعندما تشكلت اول حكومة في عهد الرئيس فؤاد شهاب اعتبرها حزب الكتائب أنها حكومة غالب ومغلوب، فاستقالت تلك الحكومة قبل ان تمثل امام مجلس النواب، وخلفتها حكومة رباعية لا غالب فيها ولا مغلوب.
وأول حكومة في عهد الرئيس شارل حلو كانت من خارج مجلس النواب وبرئاسة الحاج حسين العويني.
وفي مستهل عهد الرئيس سليمان فرنجيه تشكلت اول حكومة برئاسة صائب سلام (الوحيد من داخل المجلس) وسميت «حكومة الشباب".
وفي مستهل عهد الرئيس امين الجميل تشكلت حكومة برئاسة شفيق الوزان وعضوية وزراء من خارج مجلس النواب ونالت الثقة بالاجماع. وعندما تعذّر عند انتهاء ولاية الرئيس الجميل تأليف حكومة انتقالية تشرف على انتخاب رئيس للجمهورية وسط اجواء الانقسام السياسي الحاد الذي كان سائدا، اضطر الجميل الى تسليم سلطاته لحكومة عسكرية يرأسها العماد ميشال عون قائد الجيش، ووزراؤها من كامل اعضاء المجلس العسكري، وفور إعلانها استقال منها الوزراء العسكريون المسلمون الثلاثة، وهكذا اصبح في لبنان حكومتان: حكومة العماد عون وهي نصف حكومة، وحكومة الدكتور سليم الحص بالتكليف بعدما اغتيل رئيسها الاصيل رشيد كرامي، واستمر هذا الوضع المتردي في ظل الحكومتين حتى إقرار اتفاق الطائف وانتخاب رينه معوض رئيساً للجمهورية، وقد اغتيل بعد انتخابه بسبعة عشر يوما وانتخب الرئيس الياس الهراوي خلفاً له.
وفي بداية عهد الهراوي تشكلت حكومة وفاق وطني، وقد نصت على قيامها «وثيقة الوفاق الوطني" (اتفاق الطائف) برئاسة الدكتور سليم الحص ونالت الثقة بالاجماع، ثم خلفتها حكومة وفاق وطني برئاسة عمر كرامي ونالت الثقة بالاجماع ايضاً، وحكومة برئاسة رشيد الصلح ونالت الثقة بالاجماع، وبعدها ثلاث حكومات برئاسة رفيق الحريري ونالت الثقة بالاجماع. وكان اللافت أن الحكومات التي كانت تتشكل زمن الوصاية السورية على لبنان كانت تنال بمعظمها الثقة بالاجماع، لأنه لم يكن للمعارضة دور داخل المجلس بل خارجه، وإن محدوداً...
وفي مستهل عهد الرئيس اميل لحود تم تكليف الرئيس رفيق الحريري تشكيل الحكومة، إلا أنه اعتذر عن عدم التأليف وأصدر بياناً شرح فيه أسباب ذلك، فتم عندئذ تكليف الدكتور سليم الحص تشكيل الحكومة، ثم عاد رفيق الحريري على رأس حكومتين، ثم كانت حكومة برئاسة عمر كرامي وقد سقطت في مجلس النواب تحت ضغط الانتفاضة الشعبية التي أشعلها اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، والتي عرفت بـ"ثورة الأرز" و"انتفاضة الاستقلال".
هذا العرض لسلسلة الحكومات التي تشكلت منذ عهد الاستقلال، يؤكد أن حكومات الوفاق الوطني أو حكومات اللاغالب واللامغلوب كانت تتألف عند حصول انقسامات داخلية حادة أو حروب، لا أن تكون حكومات انتقام سياسي وتصفية حسابات مع الطرف اللبناني الآخر، وهذا ما لا طاقة للبنان على تحمّله، ولأن مثل هذه الحكومات قد تولد الحروب والفتن.
والسؤال المطروح هو: أي حكومة سيتم تأليفها برئاسة ميقاتي؟ أهي حكومة أكثرية اللون الواحد مطعمة بأقلية من مستقلين وتكنوقراط، أم حكومة أكثرية من مستقلين وتكنوقراط مطعمة بأكثرية من 8 آذار.
لقد نجحت قوى 8 آذار حتى الآن من خلال تهديدها بحجب الثقة عن حكومة تكنوقراط في استبعاد تأليف مثل هذه الحكومة، لأن قوى 8 آذار تريد أن تقطف ثمار تحوّلها أكثرية وعدم إضاعة هذه الفرصة الذهبية للاستيلاء على السلطة والتي قد لا تتكرر.
وإذا كان الرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلف ميقاتي يحرصان على أن تكون الحكومة حكومة متوازنة كي تستطيع العمل والانتاج، فكيف سيتحقق هذا التوازن؟ هل يكون بتعيين أكثرية اعضائها من قوى 8 آذار على أن تطعَّم بأقلية من مستقلين وتكنوقراط، وتفقد أي دور فاعل لها عندما تكون الأكثرية اللون الواحد هي التي تحكم وتتحكم بالقرارات، أو يضطر رئيس الحكومة نفسه الى الاستقالة عندما يشعر بأنه بات رئيساً لحكومة محكومة من سواه، أو تسقطها قرارات عليها اتخاذها في ضوء ما يجري في المنطقة من تطورات ومفاجآت وتحولات، وفي ضوء ما ستفعله اسرائيل إذا انتهزت الفرصة للاعتداء، عدا الموقف الذي عليها اتخاذه من القرار الاتهامي لدى صدوره ومن سلاح «حزب الله" كي تقوم الدولة القوية التي لا دولة سواها لمواجهة اسرائيل بوحدة داخلية وليس بانقسام داخلي...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك