تبدو حركة المصالحات لجمع أوصال الساحة الاسلامية نائمة في سبات عميق، ما يشير إلى عمق الشرخ الحاصل بين تيار المستقبل وحزب الله، فلا مستقبل للمصالحات بناء على المعطيات الراهنة لان الصراع القائم حالياً ليس تنافس القبول بالآخر إنما إلغاء الآخر، لذا تبدو أجواء المصالحة غائبة عن الشارع السنّي - الشيعي الذي يشهد انقسامات سياسية حادة ويتزايد قبل كل استحقاق، والوقائع تؤكد ان الماضي الاليم بدءاً ب 7 ايار وتوجيه السلاح الى الداخل وشهود الزور والمحكمة الدولية وويكيليكس وصولاً الى الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري، إضافة الى غيرها من الخلافات حالت كلها دون تحقيق المصالحة.
وبعد فشل الوساطة السعودية -السورية لمعالجة كل هذه الخلافات، عمد حزب الله وحلفاؤه الى الاستقالة من حكومة الحريري ما أدى الى اسقاطها، وبالتالي بروز حالة الانقلاب الذي ادى الى وصول نجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة، واليوم تشهد هذه العلاقة مرحلة صعبة وحادة من الصراع بين الفريقين وذلك بسبب الدور الذي أداه حزب الله في اخراج الحريري من رئاسة الحكومة، والاتهامات التي وجهت في المقابل الى كوادر من الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والحملة التي يشنها تيار المستقبل على سلاح الحزب، ما اوصل الحالة السياسية بينهما الى مرحلة جديدة من التأزم يصعب حلّها.
في هذا الوقت بدأ تيار المستقبل وحلفاؤه حملة على الحزب وسلاحه فقوبلت بحملة في وسائل اعلام حزب الله على الحريري وتيار المستقبل، لذا تبدو الازمة كبيرة بينهما وسط سعي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لمعالجة هذا التأزم وإعادة الاجواء الايجابية وإن بصعوبة بين الحريري ونصر الله، لكن اوساط جنبلاط تشير الى فشل هذه الوساطة التي بدأها خلال الاتصال الذي حصل بينه وبين الحريري اخيراً، وتلفت الى ان الازمة مرشحة الى التصاعد.
اما العنصر الاهم في الحملة فيتمثل بإدخال الدور الإيراني الى دائرة الاستهداف وربط كل ما يجري في لبنان والمنطقة بالصراع العربي - الايراني على خلفية موقف طهران وحزب الله من التطورات في بعض الدول العربية وخصوصاً البحرين، وتزامن التصعيد السياسي من قبل تيارالمستقبل والحريري على الحزب وإيران مع التطورات الجارية في سوريا.
لكن يمكن القول ان ما وسّع في الهوة بين الفريقين هو اغتيال الحريري الذي ادى الى توتر الأجواء بسبب الخلاف بين تيار المستقبل وحلفائه من جهة والحزب وحلفائه من جهة أخرى على توجيه الاتهام لسوريا والضباط اللبنانيين الأربعة، ومع ذلك جرى ترتيب التحالف الرباعي خلال الانتخابات النيابية عام 2005 والذي جمع تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي ، لكن هذا التوافق بين الفريقين لم يستمر طويلاً، بسبب حرب تموز 2006 والموقف من المحكمة الدولية، حتى وصلت الى ذروتها خلال احداث أيار 2008 حين ُوجّه السلاح الى الداخل اللبناني مروراً بأحداث متفرقة خلقت خوفاً كبيراً من حزب الله، فغابت الثقة به كلياً من قبل فريق الاكثرية حينها، فبدأت بعدها الحرب الاعلامية والسياسية العنيفة بين الطرفين، وإستحال الحوار بين الحريري ونصرالله في إنتظار ان تتبلورالمرحلة الضبابية المرتبطة بالتطورات التي تجري في المنطقة، إضافة الى انتظار نهاية ملف المحكمة الدولية، كما ان كل ما جرى في السابق لم ينفع خصوصاً حين تشارك الطرفان اي تيار المستقبل وحزب الله في حكومة الوفاق الوطني التي شكلها الرئيس الحريري بعد خمسة أشهر من اجراء الانتخابات النيابية في حزيران من العام 2009، اذ كان من المفترض ان يؤدي الاتفاق على تشكيل الحكومة الى حصول لقاءات مباشرة بين الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ، لكن يبدو ان هذه العلاقة لا تزال تعاني أزمة ثقة بين الزعيمين.
وسط هذه الاجواء المتباعدة يبدو ان الاتفاق على خطة عمل مشتركة لإزالة ألاجواء الملبّدة بين الفريقين أمر مستبعد جداً حالياً، لان الشرخ كبير وهناك صعوبة في إلتحامه، والهوّة بينهما آخذة في الاتساع بما ينذر بمزيد من التوتر والاحتقان الشعبي المذهبي، وهو أخطر ما يكون في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المنطقة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك