سألت صحيفة "النهار": "مَن هزم مَن في سوريا؟ المعركة الكبرى من أجل التغيير مستمرة وطويلة لكن هذا السؤال مطروح وثمة اقتناع لدى المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين المعنيين بالأمر، بأن المحتجين ألحقوا هزيمة حقيقية وجوهرية متعددة الجانب بنظام الرئيس بشار الأسد ولو لم يتمكنوا من اسقاطه حتى الآن". هذا ما أوضحته لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع في باريس، مشيرة الى ان هذا الاقتناع الأميركي - الأوروبي يستند الى المعلومات الواردة من دمشق وعواصم اقليمية والى المعطيات والحقائق الأساسية الآتية:
أولاً - بدأ المحتجون حركتهم في آذار الماضي من الصفر ومن لا شيء ولم يكن لهم وجود في الواقع السياسي والشعبي السوري وفي الحسابات الاقليمية والدولية وتحدوا سلمياً نظاماً قوياً عسكرياً وأمنياً مستقراً ظاهرياً يحكم سوريا بقبضة حديد ويتمتع بدور مؤثر في المنطقة وبعلاقات واسعة اقلمياً ودولياً. لكن النظام لم يستطع القضاء على المحتجين بل تحولت حركتهم انتفاضة شعبية واسعة غير مسبوقة في تاريخ البلد هزت الحكم في الصميم فأربكته وأضعفته. وصار المحتجون هم القضية الأساسية والقوة المحركة للأحداث في سوريا والمتنامية يوماً بعد يوم. وهذه هزيمة للنظام.
ثانياً - كسر المحتجون هيبة النظام وفضحوا عجزه عن اجراء اصلاحات حقيقية وأظهروا للعالم طبيعته الأمنية البالغة القسوة وأثبتوا ان الأسد ليس زعيماً اصلاحياً وليس قادراً على حفظ الأمن والاستقرار في بلده. ولم يعلن المحتجون عصياناً مسلحاً على النظام، بل خاضوا ويخوضون معه معركة سلمية صعبة يغذونها بتضحيات هائلة من أجل بناء سوريا جديدة على أساس مطالب مشروعة يحتاج اليها السوريون وتتركز على ضرورة الانتقال سلمياً من حكم متسلط مستبد الى حكم ديموقراطي تعددي منفتح وعادل يهتم بالبناء الداخلي ويتوقف عن زعزعة الأمن والاستقرار في عدد من دول المنطقة بالتحالف مع ايران والقوى المتشددة. واستخدم النظام أشد وأقسى وسائل القمع لوقف حركة الاحتجاج من دون جدوى، وبدا واضحاً ان القيادة السورية مستعدة للقتال حتى النهاية من أجل الاحتفاظ بالسلطة وانها ترفض الاصلاح الجدي لأنه يؤدي الى تغيير تركيبة النظام وطبيعته وتوجهاته، أي نهايته. وهذه هزيمة للنظام.
ثالثاً - قبل انطلاق حركة الاحتجاج لم تكن الدول البارزة والمؤثرة تهتم فعلاً بالوضع الداخلي وبالاصلاح والتغيير في سوريا، بل كان اهتمامها يتركز على السياسات الاقليمية لنظام الأسد وعلى ضرورة تغييرها. لكن المحتجين قلبوا المعادلة فصار الوضع الداخلي هو الأساس والاصلاح هو المطلب الرئيسي الامر الذي شكل احراجاً كبيراً للنظام الذي خسر في أسابيع كل ما أنجزه عربياً واقليمياً ودولياً خلال سنوات. وبدأ الكلام في عواصم القرار عن أن الأسد "هو المشكلة وليس الحل" وانه مصدر الاضطرابات وعدم الاستقرار في سوريا والمنطقة، وانه "فقد شرعيته ويمكن الاستغناء عنه" بل بدأ التخطيط لاقامة نظام جديد في سوريا. وهذه هزيمة للنظام.
رابعاً - وضع المحتجون نظام الأسد أمام احتمالين قاسيين وصعبين بالنسبة اليه: الأول انه لم يعد ممكناً حكم سوريا وضبط أوضاعها واستعادة هيبة الدولة ودورها الاقليمي وعلاقاتها الخارجية اذا لم ينقلب النظام على ذاته ويقدم تنازلات جوهرية في الداخل والخارج ويجري تغييرات جذرية تستجيب لمطالب المحتجين ولما تريده دول بارزة ومؤثرة. الثاني أن تمسك النظام بالحل الأمني وبرفض الاصلاح والتغيير الحقيقيين سيؤدي الى اضعافه وانهاكه أكثر فأكثر والى تفككه وحدوث صراعات داخلية فيه، لأنه سيواجه مزيدا من المصاعب الجدية الاقتصادية والمعيشية والمالية والاجتماعية والأمنية والسياسية والشعبية وهذا ما يؤدي الى سقوطه في موعد يصعب تحديده منذ الآن. وهذه بالطبع هزيمة للنظام.
ولخص لنا ديبلوماسي أوروبي معني بالملف السوري الوضع بقوله: " كان نظام الأسد قبل انطلاق الاحتجاجات موضع اهتمام حقيقي اقليمياً ودولياً فصار موضع اتهام وملاحقة ومهدداً بالمحاسبة والسقوط. فالنقاش الاقليمي والدولي يدور الآن حول مرحلة ما بعد الأسد وليس حول انجازات الرئيس السوري وسبل التعاون معه. الأسد أخطأ كثيراً في حساباته وبالغ في تقدير قوته وأفرط في الثقة بذاته وبقدراته وراهن على حاجة العالم اليه وتعامل بلامبالاة بل بشيء من الاحتقار مع الانتفاضات الشعبية العربية، وتبين بوضوح انه معزول عن شعبه وانه ليس مكترثاً لتطلعات مواطنيه وآمالهم الحقيقية. هذا النظام لن يستطيع الانتصار لأنه عاجز عن وقف الانتفاضة الشعبية وعاجز عن ضبط الأوضاع من طريق اصلاحات شكلية تهدف أساساً الى تأمين بقائه".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك