ما جرى في صيدا الأحد الماضي، ومثله في الآحاد السابقة في بقية المدن اللبنانية الكبرى بدءا من العاصمة، مؤشر على أنه آن الأوان لكي يتوقف ذلك المزاح الشبابي الخاص بإسقاط النظام الطائفي، على الأقل بأشكاله الراهنة التي تمزج بين تقليد سطحي لثورتي تونس ومصر، وبين تهافت عميق لثورات ليبيا واليمن والبحرين وسوريا، والبحث عن أساليب وأدوات أخرى لإنتاج المشروع الوطني العزيز والغالي.
منذ البداية كان التحرك الشبابي عبثيا، يسعى الى احتلال مساحة في الاعلام اكثر مما كان يعمل على استكشاف وعي وطني خاص. كانت صور تونس ومشاهد مصر التلفزيونية مؤثرة فعلا. كانت الحافز الى استلهام التجربتين ومحاكاتهما من دون قراءتهما بجدية، ومن دون النظر الى بقية التجارب العربية التي لا تقل اهمية عنهما. كانت وربما لا تزال اشبه بحركة مسرحية او سينمائية تستوحي فصولا منتقاة من رواية عربية لم تكتمل بعد، وتترك الخاتمة لمخيلة المشاهد اللبناني، المعروف اصلا بضيق الافق وسوء التقدير.
كان الهدف ولا يزال هو البرهان على ان اللبنانيين ليسوا اقل ادراكا وتطورا وقربا من التونسيين والمصريين، وهو افتراض غير صحيح بالمرة، لانهم في الواقع اقرب الى الليبيين واليمنيين والبحرينيين، ولان قرارهم الصريح بالانخراط في مسيرة الثورة العربية الكبرى سيؤدي حتما الى كارثة او على الاقل الى مهزلة. وهو ما حصل بالفعل في الآحاد الماضية التي تنقل فيها نفر من الشبان والشابات الحالمين من مدينة الى اخرى منادين بإسقاط النظام الطائفي.. فإذا بالنظام نفسه يخرج معهم الى التظاهرات وإذا بالاحزاب التي انتجتها الحرب الاهلية واستهلكتها تتقدم المتظاهرين، وترسل رجالها للمبيت في خيم الاعتصام المنقولة من حي القصبة وميدان التحرير.
حان الوقت للاقلاع عن ذلك الاسلوب الرومانسي البائس الذي يغفل حقيقة ان ثورتي مصر وتونس ما زالتا في اول طريق شاق وطويل يمكن ان يستغرق ما بين 10 الى 15 عاما لكي يظهر النظام البديل، الذي لا يزال اركان النظام السابق يحاولون تقويضه ويستعد الاسلاميون للاستيلاء عليه، ويجهل حقيقة ان ثورات ليبيا واليمن والبحرين وسوريا ما زالت تفتتح معاركها التي قد تستهلك جيلا كاملا، هي النموذج الامثل الذي يمكن ان يختاره عموم اللبنانيين من دون تردد، ومن تعديل لخيار المقاومة ولا لخيار المحكمة، ولا لاي من الخيارات الاخرى المبشرة بالصراع الاهلي.
الثورات التي تعم انحاء الوطن العربي هي اهم وأخطر من ان تستورد مظاهرها، لا سيما قبل ان تستقر طلائعها التونسية والمصرية على انظمة سياسية محددة المعالم، او قبل ان تخرج توابعها اليمنية والليبية والسورية والبحرينية من النفق الامني المظلم. عندها يمكن ان يستقيم التفكير والتدبير في لبنان، ويبدأ العمل الجدي من اجل اسقاط النظام الطائفي.. مع الاخذ في الاعتبار ان ذلك النظام لم يكن وليد اي تجربة عربية ولن يسقط نتيجة اي تجربة عربية.
المرحلة تقتضي مقاربة لبنانية أشد عمقا للثورات العربية، ومتابعة اكثر قربا لوقائعها، عل في ذلك ما يفتح ثغرة في العقل اللبناني المقفل، وما يدفع شبابه الى المزيد من الجرأة والابتكار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك