أمّا وقد توصّلت الولايات المتحدة الأميركية إلى تسوية لمسألة ديونها، وأجرَت تعديلات نوعية في قيادتها العسكرية والأمنية، فإنها تتجه إلى رَفع درجة اهتمامها بالأزمة السورية إلى مستوى "التدخل المباشر".
و"التدخل المباشر" لا يعني تدخّلا عسكريا، في الوقت الذي تتهيأ فيه القوات الأميركية للانسحاب من العراق وأفغانستان، وإنما يعني الانتقال من مرحلة "إعطاء الفرصة" للتغيير من داخل النظام، إلى مرحلة إيجاد البديل لتغيير النظام.
فواشنطن التي لعبت مع دمشق لعبة الجزرة والعصا، لم تعد تملك الصبر على رؤية ما يحصل من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في سوريا.
فمنذ نيسان 2006 تموّل واشنطن، سِرّا، نشاطات معارضين سوريين، حسب وثائق ديبلوماسية، ومن ضمنها قناة "بردى" الفضائية التي تَبثّ من لندن، إلّا أن هذا التمويل لم يرقَ إلى مستوى جدّي، إذ إنه لم يتجاوز الستة ملايين دولار، منذ عهد بوش وحتى أيام أوباما.
وقد عرفت المخابرات السورية بالأمر، وراحت تطرح أسئلة أثارت قلق السفارة الأميركية في دمشق، فلفتت الإدارة إلى إمكان تضرّر العلاقة التي كانت بدأت تتحسن قُبَيل إرسال السفير روبرت فورد الى العاصمة السورية بعد 6 سنوات من القطيعة.
حمّل اوباما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رسالة حازمة الى الرئيس الاسد في كانون الاول الماضي، بالامتناع عن التدخّل في الشؤون اللبنانية وإغلاق حدوده مع العراق، ثم السيناتور جون كيري، وأتى الرَدّ لاحقا عبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بأن الأسد يبعد نفسه تدريجا عن إيران، ما دفع اوباما الى ارسال فورد الى دمشق، ليتبّين لاحقا انه خُدع، وأنّ الموقف السوري لم يكن إلّا لكسب الوقت، وانّ سوريا لا تستطيع ان تخرج من فلك طهران بسبب وجود الصواريخ الايرانية على اراضيها، واعتمادها على النفط الايراني الخام لدعم اقتصادها الهَش.
وتكررت الإنذارات الديبلوماسية الاميركية مع استمرار نمطية القمع وكسب الوقت السورية، حتى صُنّف ما يجري في بلاد الشام انه "قتال حتى الموت". وتستفيد دمشق من عاملين أساسيين للمضي في خيارها العسكري:
1 - لم يتبين ان المتظاهرين قادرون على إثبات جدارتهم في تنظيم عقد اجتماعي جديد لوَطن جديد، إذا ما رفعت القبضة الحديدية عنهم.
2 - إنّ الدول التي ستتأثر حتما بالتغيير في سوريا، وهي لبنان وايران وتركيا والعراق واسرائيل، إضافة إلى "حزب الله"، تريد جميعها ان ترى النظام الحالي ضعيفا وليس مهزوما.
لكنّ أوباما لن يمنح دمشق فرصا إضافية، ولن يقف متفرّجا على ما يحصل من مجازر. لقد بدأ العد العكسي لتغيير قواعد اللعبة، والانتقال الى مرحلة أكثر سخونة.
أوباما لا يمزح مع الأسد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك