كـ«شربة ماء» مرّ اسم ناظم الخوري في تشكيلة نجيب ميقاتي الثلاثينية. لم يستنفر عونيو جبيل ولا «سائر المناطق»، ولم يعتل «جنرالهم» منبر الرابية للتنديد بإشهار رئيس الجمهورية اولى اوراقه الانتخابية «رسمياً» قبل صيف 2013. الجبهة أكثر من هادئة على خط بعبدا - الرابية، ونواب جبيل مرتاحون، «منشرحون»، ويتوقعون تواصلاً «بيئياً ودياً» بينهم وبين الوزير الحالي ـ المستشار السابق للرئيس ميشال سليمان.
يحق لشارع صغير في بلدة عمشيت الجبيلية الممتد على مساحة اقل من مئتي متر ان يفخر بنفسه. من رحم هذا الشارع ولد رئيس للجمهورية وبطريرك ونائب ووزير. لوحة أكثر من معبّرة، لكن ما يضفي عليها طابع الاستثنائية هو ان هذه «الرباعية» لم تكن لترى النور من دون ان تمر... بالرابية. لم يولد الرئيس التوافقي الا بعد التوقيع العوني، ولم يسلك بشارة الراعي درب بكركي الا لأنه خيار «الجنرال» اولاً واخيراً، ولم «يدوْبل» وليد الخوري الولاية النيابية الا بقرار من غرفة عمليات الرابية، ولم يدخل ناظم الخوري حكومة ما بعد الرئيس سعد الحريري الا بعد ان أومأ رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» رأسه نزولاً. وللأخير قصة أكثر من «سَلسلة» ترويها الالسنة العونية: بعد ان حلّت عقدة الداخلية، اطلت عقدة الماروني السادس برأسها. تحرّك الوسطاء ذهابا وايابا بين الرابية وبعبدا وفردان. كثرة الطباخين اتاحت اشاعة اجواء لم تكن دقيقة وعكست ما لم يكن مطروحاً اصلاً على طاولة الرابية. قيل ان عون يرفض ان يكون الوزير «الرئاسي» من جبيل او كسروان او ان يكون اســــــــتفزازياً من دون تحديد «معنى» الاستفزازي.
الوسطاء سوّقوا ايضا لـ «تعهّد» ناظم الخوري بعدم المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة وبالاكتفاء بلقب «معالي الوزير». وتمّ الحديث في خضمّ المفاوضات عن تبادل ادوار بين الرئيس و«الجنرال». فمثلما وضع عون لائحة ثلاثية شملت قائد الدرك السابق انطوان شكور والنائب السابق سليم عون والعميد مروان شربل كاسماء مرشحة لاستلام وزارة الداخلية اختار منها ميشال سليمان اسماً، يضع بالمقابل ميشال سليمان لائحة اسماء بمرشّحي «الماروني السادس» ليختار منها عون. لكن الواقع ان «الجنرال» الذي طالب بداية بضمّ الموارنة الخمسة الى حصة «تكتل التغيير والإصلاح» (اضافة الى «حصة النصف» في وزارة الداخلية) عاد وسهّل المهمة على الجميع. لم يضع شروطا ولا فيتو على احد، ولم يشترط عدم التوزير من جبيل وكسروان، واوصل رسالة مباشرة الى ميشال سليمان باختيار من يريد، وعندما اتصل به من يبلغه باسم ناظم الخوري لوزارة البيئة لم يبد اي ممانعة. هو قرار اذا بإعطاء الـ«الضوء الاخضر»، من قبل الرابية، على توزير شخصية تنتمي الى قضاء يحلو للبرتقاليين وصفه بـ «القلعة العونية».
هي مرحلة أكثر تقدماً في «تكتيك» العلاقة مع بعبدا. اسلوب «الجملة» وليس «المفرّق». ولدت الحكومة برضى عوني يلامس حد الانتصار، بوجود ناظم الخوري او غيره. المسألة الآن باتت مسألة «امتحان» الخيارات السياسية، وفق قناعات الرابية «فالرئيس سليمان اليوم امام خارطة سياسية جديدة. حدود الأكثرية والاقلية فيها مرسومة بخط عريض واضح. ومن سيتهجّم على الحكومة لن يميّز بين وزير وآخر. ورئيس الجمهورية معني بالدفاع عن الخيار السياسي لهذه الحكومة وعن بيانها الوزاري تماماً كما نجيب ميقاتي وعون و«حزب الله» ونبيه بري ووليد جنبلاط، أنه شريك معنا بالتكافل والتضامن».
واقع يفرض، برأي العونيين، التزاماً رئاسياً بخيارات الاكثرية على كل المستويات «فلا يمكن ان نتخيّل مثلاً الرئيس ميشال سليمان يوافق على مثلث «الجيش والشعب والمقاومة» في البيان الوزاري ثم نراه يتحالف مع فارس سعيد في جبيل! لقد فعلها عام 2009، لكن الآن لم يعد بالإمكان تجاوز هذا التمايز بعدما صارت الامور واضحة كعين الشمس، فنحن على المتراس نفسه، ونتعامل معه على اساس «إذا مش معنا يعني ضدنا».
لم تعد المدة الفاصلة عن انتخابات 2013 بعيدة. ولادة الحكومة الميقاتية ساهمت في تقليص المسافات السياسية. المدخل الطبيعي هو قانون انتخابي جديد ثم الى المعركة درّ.
لاعتبارات تخصّ العونيين دون غيرهم تبدو جبيل بمنأى عن حفلات «تكسير الرؤوس»، «فالاستحقاق سيسبق بعام واحد نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان. ناظم الخوري حتماً خارج الحلبة النيابية. اداء رئيس بلدية مدينة جبيل زياد حواط، الذي زار اللواء اشرف ريفي بعد اشكال الطابق الثاني في المتحف ويواظب على اطلاق «مواقف النكوزة» بميشال عون، يسقط عنه صفة الحيادية الانمائية. الحسابات الجبيلية الاولية تفيد بامكان اعلان نجل رئيس الجمهورية د.شربل سليمان ترشيحه للانتخابات... ونحن نقول إن هذا حق له، «ويا ريت بيترشّح»، فعندها ستكون المهمة اسهل بكثير علينا!». اذاً شخصيتان محسوبتان على رئيس الجمهورية هما خارج اللعبة. «معالي الوزير» ناظم الخوري وحواط الذي يفرض عليه القانون (كما رؤساء اتحاد البلديات) تقديم استقالته قبل سنتين من الاستحقاق النيابي. اما شربل ميشال سليمان، فبعض العونيين يتمنّون نزوله الى ساحة المبارزة النيابية... «فهنا ستخضع الشعبية الرئاسية للامتحان الأصعب».
نواب جبيل أكثر من مرتاحين لتوجهات القاعدة الناخبة بعد سنتين. بفارق 8635 صوتاً فاز النائب سيمون ابي رميا على النائب السابق ناظم الخوري في انتخابات 2009. لا تتوقع الرابية اقل من نتيجة كهذه في الاستحقاق المقبل بغض النظر عن هوية المنافس، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة جبيل التي تفوّقت فيها لائحة الرئيس على اللائحة العونية، «اقله نصف الاصوات المسيحية معنا و«البلدوزر الشيعي» متأهب لدعمنا».
لا ينتظر العونيون من الخوري سوى ما سبق أن وعد به لدى دخوله الوزارة: «البيئة السياسية في خدمة السياسة البيئية وليس العكس». هذا يفترض برأيهم، عدم إقحام «حقيبته» في زواريب الخدمات الانتخابية، ونقيض ذلك «سيرتدّ عليه سلباً وسنكون له بالمرصاد». عضوية النائب سيمون أبي رميا في لجنة البيئة، برأيهم، ستشكّل نوعاً من الرقابة المباشرة على أداء الوزير وايضاً جسراً نحو علاقة قد تتسمّ بالإيجابية والانفتاح.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك