بمعزل عن حسابات الربح والخسارة، ينكبّ رؤساء الكتل النيابية والتجمعات الحزبية والمفاتيح الانتخابية على دراسة نتائج استطلاعات الرأي الناشطة على قدم وساق منذ أشهر، والتي يجريها كلّ فريق وفق إضبارات تتضمن عددا من الاسئلة عبر مؤسسات متخصصة وتبني على أساس نتائجها الكثير من المواقف المتعلقة بقانون الانتخابات وشكل التحالفات والشعارات المفترضة لخوض المعركة وتحقيق ما هو مطلوب منها.
اللافت أنّ نتائج الاستطلاعات تظهر بوضوح تبدلا في مزاج الشارع المسيحي بشكل خاص وكذلك في الشارع السني، وذلك في ظل قناعات متغيرة تسمح بالاعتقاد بأنّ التحالفات المقبلة قد تشهد عددا من المفاجآت، كما تقرأ مصادر سياسية مطلعة، ليس اولها تكريس "الكتائب" لتمايزها وخوضها المعركة بتحالفات من تحت الطاولة تسمح لها بتعويض بعض المقاعد لا سيما في المتن وبيروت وبعبدا إذا أمكن، ولا آخرها سحب المملكة العربية السعودية بساط تمويلها من تحت أقدام "القوات اللبنانية" وفقا للمصادر نفسها.
وتشير النتائج أيضا إلى تقدم طفيف للغاية لـ"التيار الوطني الحر" في المتن وكسروان، فضلا عن تراجع ملحوظ لشارع فريق الرابع عشر من آذار المسيحي على خلفية مواقفه من النظام السوري من جهة وتحالفه مع الأصولية والسلفية السنية التي تكفر في مكان ما المسيحيين بكل شرائحهم وعلى مختلف انتماءاتهم الحزبية والسياسية من جهة ثانية، والمقاربة الأكثر استغرابا هي أنّ لا الشارع العوني ولا ما يصفه البعض بشارع الاعتدال تمكن من حصد الفارق واستمالة من خرج من صفوف الاذاريين، بحيث أبدى الكثيرون تأييدهم لمواقف البطريرك الماروني بشاره الراعي، بما يعني أنهم يشكلون كتلة متحركة يتحكم فيها المزاج السياسي العام والخطاب العقلاني البعيد عن إقحام المسيحيين بالزواريب الاقليمية والمتاهات الدولية.
وبحسب المصادر نفسها، فقد أظهرت نتائج الاستطلاعات كذلك تبدلا كبيرا في مزاج الشارع السني الواقع تحت تأثيرات الحرب الدائرة في سوريا من جهة وتداعياتها على السنية السياسية من جهة ثانية، وذلك باعتبار أنّ تداعيات تأييد تيار "المستقبل" للمسلحين في سوريا أرخت بظلالها الثقيلة على عاصمة السنة بحسب التعبير، أي طرابلس الواقعة بين مطرقة شارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتيار "المستقبل" وسندان الشارع الأصولي والسلفي الذي تقدم بشكل لافت على مستوى القرى والأقضية التي تغلب على طبيعتها السياسية الاصوات السنية.
بدورها، سجلت عاصمة الجنوب صيدا تراجعا لتيار "المستقبل" في مقابل تقدم ملحوظ للتيارات الاسلامية، بحيث غاب نسبيا التيار الوسطي والعروبي المتمثل بالتنظيم الشعبي الناصري، فيما اقتصر تراجع شعبية التيار الازرق في البقاع على نسبة ضئيلة لا تتجاوز النقاط الخمس، وذلك على خلفية إقحام الشارع السني في متاهات الأزمة السورية، والذي يدفع وحده الأثمان الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية لهذه المواقف الواعدة باسقاط الرئيس السوري بشار الأسد في غضون أسابيع، وهي لم تحقق سوى قطع حبل التواصل الاقتصادي والمالي مع دمشق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك