عشية الانتخابات النيابية السابقة، استنجد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بنصائح الاستطلاعات ليفضّل اسماً على آخر عند تشكيل لوائحه. أما اليوم فيحتدم في غالبية الدوائر سباق إيجابي بين المرشحين المحتملين، يفترض أن يحسم وحده من سيسقط ومن سيركب
حالت أنظمة الجيش دون تمكن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون من متابعة شؤون «سبق الخيل» وشجونه في شبابه. لكن لم يكد عون يعود عام 2005 إلى لبنان، حتى أطلق ظاهرة جديدة في حياة التيار: سباق الراغبين في الترشح على أحد المقاعد النيابية على لوائحه، حتى يثبت أحدهم شعبياً وإعلامياً أنه أحق من الآخرين بالترشح. وفي هذه السباقات، أحصنة أصيلة وأخرى هجينة. متبارون يكملون حتى خط الوصول وآخرون لا يقطعون بضع خطوات حتى يتعثروا فينسحبوا.
خاسرون يتعاملون بروح رياضية مع هزيمتهم وآخرون يحردون. في الأحزاب الأخرى، يقرر قائد الحزب وحده (أو مع زوجته، في حالتي حركة أمل والقوات اللبنانية) المرشحين على اللوائح، أما في التيار الوطني الحر فإنه السباق.
أسعد VS جوزف
البداية من عكار. يتسابق هنا حصان رشيق صغيرٌ في السن، وآخر هرم يثقل وزنه حركته. يفضّل الأول _ واسمه أسعد درغام _ عكار وفقرها على كندا ورفاهيتها، مجنّناً زوجته بوَلَه عكاريّ يكاد يكون مرضياً. أما الآخر _ ويدعى جوزف شهدا _ فيتأفّف كلما «اضطر» إلى أن يطل على المنطقة. تقابل حماسة الأول العكارية بامتياز، برودة الثاني وصفناته. في انتخابات 2005، ولم يكن العكاريون يعرفون شهدا، لكنه حلّ أول بين الخاسرين متقدماً أقرب المرشحين على لائحته النائب السابق كريم الراسي بـ5735 صوتاً. أما عام 2009، وقد تعرف بعضهم إلى مرشح العونيين «البيروتيّ»، فقد حلّ شهدا الأخير في لائحته. حتى إن النائب السابق وجيه البعريني سبقه بـ6854 صوتاً. استفاد درغام (مسؤول العونيين السابق في كندا) من عدم سماع العكاريين باسمه مقابل سماعهم وكثيراً بخصمه. ولم يكد يعلمه الجنرال بقدرته على دخول السباق حتى صار التنقل بين منازل العونيين في عكار ورؤساء المجالس البلدية والمخاتير شغله الشاغل. ويستفيد من مواظبة منافسه الأول على الغياب، مفضّلاً ألا يجيب هاتفه حتى، ما لم تكن الرابية المتصلة ليعلمه سكرتيرها بوجوب تمثيله عون في أحد الأفراح أو الأتراح. وفي الغداء الذي نظمته هيئة عكار في التيار الوطني الحر أخيراً، كان مشهد شهدا لافتاً في محاولته تقليد درغام بالتجوال على الطاولات ملوّحاً لرفاقه المفترضين بكأسه، فيما مؤيّدوه وسط عونيي عكار يركزون في مراقبة الطاولة ليعرفوا من معهم ومن عليهم. وتؤكد النكتة بين ناخبيه أنهم لن يعرفوه في حال حلق شاربه أو سمنَ قليلاً أكثر مما هو عليه في صوره الملصقة على بعض الجدران العكارية، إذ لا يعرفه غالبيتهم شخصياً، بعد ثماني سنوات على تعارفهم ودورتين انتخابيتين. وكان درغام قد عرض أمام عون نجاحه في تنفيذ المهمات التي يوكله بها في زيارة الجنرال الأخيرة لكندا التي زامله درغام من بدايتها إلى نهايتها، مكرساً انطباعه بأنها إحدى أنجح زياراته الاغترابية. لكن لم يحسم السباق العكاري بعد، خصوصاً أن شهدا ما زال يتقدم درغام في استطلاعات الرأي.
الكورة وجبيل: لا سباق
في البترون السباق أدفأ مما هو عليه في عكار، وخصوصاً في المناطق الوسطى حيث يتسابق صديقا التيار، سندريلا مرهج وسليم نجم. أما في الكورة فلا سباق هذه المرة، بعد أن «طفّش» فوز جورج عطا الله في سبق 2009 المتسابقين الآخرين، فانضم مسعد بولس إلى ماكينة القوات الانتخابية وفضّل غابي دريق السباحة على دعم القوميين في فرعية الكورة الأخيرة. وينعكس ذلك سلباً على عونييّ الكورة، فتبطأ حركة المرشح العوني السابق جورج عطا الله أكثر فأكثر بدل أن تسرع. وبيّنت «الفرعية» الأخيرة تراجع عدد المؤيدين لقوى 8 آذار في بلدة عطا الله (كفرعقا) من792 صوتاً حصدها المرشح البرتقالي عام 2009 إلى 430 فقط أيّدوا المرشح وليد عازار.
وفي جبيل، يعجز بعض عونييها عن الاقتناع بأن مقعدي الدائرة المارونيين محجوزان لشاغليهما الحاليين سيمون أبي رميا ووليد الخوري، فيتسلون قليلاً. أما كسروان المرحة عادة فتبدو كئيبة مملة باردة حين يكون المتسابقون في فتوحها هما جيلبرت زوين وروجيه عازار: لا حماسة هنا ولا «ضروب» أو أي شيء آخر. كل ما في الأمر أن عازار بنى قصراً أكبر من قصر زوين، وعزّى ضعفَي من عزّتهم زوين، واشترى BMW أجدد من «بيإمتها» وأهدى زوجته أخيراً حبة لؤلؤ أكبر من لآلئ زوين.
«جزرا و إدي»
أما المتن الشمالي، فقصة مرشحيه العونيين عن المقعد الكاثوليكي قصة. النائب إدغار معلوف قرر العزوف عن الترشح لمصلحة ابن شقيقه الذي يُدلّع بـ«إدي»، ولم يُعرَف بعد إنْ كان اسمه الحقيقي إدمون معلوف أو إدوار أو حتى إدغار. وفي مقابله، يقف الطبيب العوني شارل جزرا. والطبيب المتني ناشط في منطقته: هو عضو في مجلس بلدية الجدَيدِة، ومتبرع رئيسي لهيئة قضاء المتن الشمالي العونية. يساعد بعض نواب المنطقة في علاقاتهم.
أما «إدي» المجهول، فأكثر حركة من عمّه، لكونه يكثف زياراته الاجتماعية، فيما يتشارك وإياه صفتي الهدوء والابتسام الدائم. والناشط المندفع في صفوف التيار الوطني الحر هو نجل الشهيد في الجيش بول معلوف الذي تركت القوات اللبنانية، بحسب روايات العونيين، «دمه يصفّي» بعد إطلاق رصاصة على رجله في منطقة أدما وهو في ثيابه العسكرية.
سباقا الأشرفية
الأشرفية أخيراً، في ظل حجز وزير الاتصالات نقولا صحناوي مقعده الكاثوليكي الترشيحي، انطلق سباقان عونيان. واحد بين «كادر عوني» يدعى زياد عبس و«كادر عائلي» يدعى نقولا تويني على المقعد الأرثوذكسي، وآخر بين مرشح هجومي يدعي جورج شهوان ومرشح دفاعي يدعى مسعود الأشقر على المقعد الماروني.
وكان في اعتقاد الرابية أن ترشح عضو الهيئة التأسيسية في آل تويني على لائحتها، يمكن أن يضيف إلى مجموع الأصوات العونية في الدائرة أصوات غير العونيين في عائلته. أما عبس فركز على استنهاض العونيين، مفترضاً أن مضاعفة حماسة هؤلاء سيضاعف أعداد أصواتهم في الصناديق. ولم يكد عبس ينتهي من عمله العوني عند انطلاق السباق، حتى بدأ اللعب في ملعب تويني، مستدرجاً الأخير إلى ملعبه العوني. ووقع تويني في الفخ: بدل أن يظهر للجنرال حجم تمثيله العائلي ونفوذه الكنسي وغيرهما، غدا همّه تأمين أسس عونية لزعامته الافتراضية. فصار العونيون ضيوف غدواته وعشواته، وبات همّه استقطاب الزعلانين من عبس. ولم يلبث التويني، مرشح المطرانية المفترض، أن عيّن مسؤولاً إعلامياً عن حركته، هو ناشط عوني فصلته الرابية من لجنة العلاقات العامة في التيّار لكتابته ما اعتبره الجنرال إساءة للمطران الياس عودة. ومقابل عمل عبس 18 ساعة يومياً لإثبات نفسه في الدائرة، لم يجد تويني عملاً انتخابياً يقوم به غير تناول القهوة فالغداء ثم القهوة فالعشاء والقهوة أخيراً في مطعم واحد، على الطاولة نفسها، ومع الأشخاص أنفسهم . ولا بدّ هنا أيضاً من أحداث تضحك: عُرضت في مناسبة كنسية لوحة في المزاد العلني، فأخذ تويني يتحدّى سيدة أشرفيّة معروفة، وما كاد يكسرها حتى طاف يخبر عن هزمه عبس في المزاد العلنيِّ. في عشاء نظّمه تويني لنحو سبعين ناشطاً عونياً في مطعم «ميسون»، أعلم الحشد الحزبي بامتياز أن «الأشرفية كل عمرها مع العائلات»، وهي «مقبرة الأحزاب». وسرعان ما بلغت الرابية تقارير عمّن يتردد يومياً إلى مكتب عبس قرب كنيسة السيدة ومكتب تويني بين ساحة ساسين وشارع ألكسندر، فانتهى السباق مبكراً وغدا عبس _ بنسبة تفوق 90 في المئة _ مرشح التيار الوطني الحر عن المقعد الأرثوذكسي في الأشرفية.
أما السباق الأشرفيّ الآخر، فكان يفترض أن يكون أكثر تشويقاً من هذا بكثير، نظراً إلى شخصية المرشح المفترض جورج شهوان وسرعة بديهته السياسية ونفوذه الأشرفي وشطارته في «تركيب الضروب». إلا أن حماسة شهوان لم تجار المتحمسين له، فخذلهم مبكراً بعدما أزعجه أن يستفيد غيره ممّا يصرفه من جيبه في حال عدم اختياره أخيراً. فأخرج شهوان نفسه بنفسه.
في «داحس والغبراء»، تسابقت قبيلة الجواد داحس وقبيلة الفرس غبراء لإثبات أيّهما أقوى، بعدما كثر كلام الشعراء عنهما، ففازت الغبراء. إلا أن قبيلة داحس اعترضت لأن غبراء أنثى وشهامة داحس جعلته يتنازل لها. فليتشجع المتسابقون العونيون. لا يذكر التاريخ المنتصرين وحدهم. للمنهزمين والمنسحبين حصة منه أيضاً.
سباقات أخرى عبثيّة
تنتهي بعض السباقات قبيل إعلان العماد ميشال عون لوائحه الانتخابية ببضع ساعات لتبدأ عشية الانتخابات وفور فوز لوائحه سباقات يكاد يمكن وصفها بالعبثية والتي تضر بالتيار، خلافاً لسباقات الترشح، أكثر مما تفيده بكثير. بدأ هذا النوع من التنافس في المتن الشمالي بين النائبين إبراهيم كنعان ونبيل نقولا، ولم يلبث أن لاح ما يشبهه في جزين بين النائبين زياد أسود وميشال الحلو، وتفاقم أخيراً في جبيل بين النائبين سيمون ابي رميا وعباس هاشم. وبعيداً عن الأسباب والطرائف التي تعوم فوق هذه المستنقعات، تثير هذه الخلافات استياء العونيين الذين يفترضون أن على ممثليهم أن يكونوا الأحرص على وحدة صفهم في مواجهة ما يتعرض له تيارهم من حملات، وأن يسعوا إلى تعزيز قدرات بعضهم بعضاً بدل تكسيرها، وأن ينجز قليلاً من يحاولون دائماً سرقة إنجازات غيرهم. ويستغرب بعض العونيين تفرّج الجنرال على هؤلاء واكتفاءه بإدارة الخلاف بدل وضع حدّ جذري له، خصوصاً أنه يأخذ من وقته ويشتّت تياره ويضيع الأنصار ويشغل نوابه بعضهم ببعض، بدل انشغالهم متكاتفين بخصومهم المفترضين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك