كتبت جوانا فرحات في "المركزية":
ألف مليار ليرة لبنانية، أي حوالى 10 ملايين دولار، هي القيمة الإجمالية لما يُتوقّع أن يدفعه مجلس الجنوب تعويضاً عن الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان، بعد تعديل قيمة التعويضات لتساوي تلك التي حصل عليها المتضررون جراء حرب تموز 2006.
يكاد هذا الخبر "المسكّن" الوحيد الذي ارتشفه أهالي المناطق الجنوبية الممتدة على طول الخط الأزرق جنوبا وتلك المتاخمة للحدود الجنوبية مع إسرائيل خلال فترة هدنة السبعة ايام بين إسرائيل وحركة حماس. عدا ذلك لم يفلح العائدون إلى قراهم وأراضيهم وبيوتهم التي نزحوا عنها منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول الماضي في البقاء واستعادة نظام حياتهم اليومي بشكل طبيعي. حتى خلال عملهم في قطاف ما امكن من أشجار الزيتون وحراثة الأرض في هذه الفترة من السنة كانوا يعملون بحذر ويدهم على قلبهم. أما تلاميذ المدارس فاستكملوا التعليم عن بُعد، واكتفى أصحاب المحال التجارية بفتح أبوابهم للتهوئة لأن الحركة في القرى شبه معدومة.
وفي اليوم الثامن سقطت الهدنة. العائدون لملموا أغراضهم وعادوا إلى البيوت التي استأجروها والأماكن التي استقبلتهم في انتظار شارة السلام البيضاء. لكن النزوح الجديد كان يحمل معه هذه المرة حبة مسكّن قدمها لهم مجلس الوزراء الأربعاء الماضي خلال الجلسة التي عقدها، حيث طرح من خارج جدول الأعمال، مبدأ التعويض على المتضررين مالياً وجسدياً جراء الإعتداءات الإسرائيلية على البلدات الجنوبية. والأصح بفعل دخول حزب الله الحرب وإعلانه امتلاك قرار الحرب والسلم على رغم مناشدات الجنوبيين خصوصا واللبنانيين عموما بعدم الرغبة في دخول لبنان الحرب وتكرار مأساة حرب تموز 2006.
قرار التعويضات لم يأتِ برضى "وسمحة نفس" الوزراء الذين شاركوا في الجلسة إنما كان نتيجة "تواصل" بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحزب الله، تولّاه النائب حسن فضل الله. وفي وقت كانت مجموعات الإستطلاع التابعة لمجلس الجنوب تنهي جولاتها الميدانية الأولية على البلدات التي طاولها القصف لإحصاء الأضرار في الممتلكات والبنى التحتية، انطلاقاً من مهامه الطبيعية، كان الكلام داخل مجلس الوزراء يدور حول إمكانية تكليف الهيئة العليا للإغاثة والجيش اللبناني إلى جانب مجلس الجنوب. إلا أن كلمة الفصل عُلِّقت حتى الثلاثاء المقبل موعد الجلسة الحكومية المرتقبة.
وسواء تم التوافق على المرجعية التي ستُكلّف رسمياً، إلا أن الجولات الإستطلاعية على الأرض توقفت مع استئناف جولات القتال بين حماس وإسرائيل في غزة وعليه تعود القرى الحدودية التي تنشق أهلها رائحة الصعتر والزيتون على مدى أيام الهدنة إلى دائرة الحذر والخوف من تعرضها للقصف بسبب اطلاق حزب الله والفصائل الفلسطينية صواريخ إلى داخل إسرائيل.
وهنا يجدر السؤال عن الجدوى من إقرار تعويضات مالية على المتضررين والحرب لا تزال مشتعلة ومن سيستفيد منها. والأهم ما هي المعايير ومن ستشمل الجولات الإستطلاعية؟
مصادر جنوبية تشير إلى أن الكلام عن مبلغ العشرة ملايين دولار بدأ ينتشر قبل انعقاد الجلسة في أوساط الأهالي على أن يكون التعويض من قبل مجلس الجنوب، ويلفت إلى أن استنسابية تحديد معايير الأضرار غير مستبعد لأن الأضرار في بعض القرى وتحديدا الواقعة بعيدا من الخط الأزرق ليست مباشرة لكنها مكلفة. فالمنازل التي تصدعت، وتُصنَّف أضرارها بالخفيفة وفقا للمعايير المعتمدة، إلا أن ترميمها يتطلب مبالغ كبيرة كونه لا يقتصر على مكان التصدع. أضف إلى ذلك الأضرار الواقعة في الأراضي الزراعية وتوقف حركة العمل في المحال والمدارس. وعلى سبيل المثال لا الحصر تشير المصادر إلى أن غالبية العمال المياومين توقفت أعمالهم منذ خمسين يوما، وأساتذة غالبية المدارس قبضوا نصف رواتبهم. ويُرَجّح أن لا يتمكن الأهالي من تسديد الأقساط بسبب توقف أعمالها.
استئناف جولات القصف صباح اليوم جمّد حركة الفرق الإستطلاعية التي سترفع تقاريرها عن الأضرار. لكن حتى الآن "لا نعلم المرجعية التي ستدرس الملفات ولمن ستكون الأولوية علما أن حزب الله كان أعلن أنه بدأ بدفع التعويضات للمتضررين من القصف الإسرائيلي على الجنوب، ليعود ويطلب من الحكومة تحمّل مسؤوليتها في هذا الإطار عبر النائب حسن فضل الله الذي نقل عن ميقاتي التزامه بهذا الأمر".
على الورق وداخل قاعة مجلس الوزراء كل شيء بات منجزا لجهة التعويضات. حتى نوعية الأضرار باتت واضحة وفق رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر الذي حددها بـ"المنازل المهدّمة بشكل أساسي، وتلك المتضررة، والسيارات التي تضرّرت أو احترقت أو دُمّرت والثروة الحيوانية، وسيتم دفع مخصصات لعائلات الشهداء والجرحى. كذلك سيهتم المجلس بإصلاح الأعطال اللاحقة بالأملاك العامة وما يرتبط بها من بنى تحتية. أما بشأن المزروعات، فيتم التواصل مع وزارة الزراعة التي أجرت مسحاً للأضرار لتبيان ما إذا كانت هي ستعوّض أو مجلس الجنوب".
هذا على الورق أما على أرض الواقع "فهي بمثابة مسكّن للأهالي لتبريد قلوبهم المشتعلة قهرا بسبب الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم نتيجة دخول حزب الله الحرب لمناصرة أهالي غزة، تماما كما حصل في حرب تموز 2006. يومها قيل لأهالي الجنوب: المصاري مؤمنة ما تعتلوا همّ. قاتلوا معنا أصمدوا وادعمونا. وحتى اليوم هناك عائلات غير محسوبة على الحزب لم تحصل على فلس واحد من التعويضات... مع ذلك سنصمد في أرضنا وسنعمر بيوتنا من جيبنا الخاص لأننا باقون وهم راحلون"، تختم المصادر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك