كتبت فاتن الحاج في "الأخبار":
في موازاة حسم رواتب أكثر من 3000 أستاذ في التعليم الثانوي الرسمي، لم ينزل وزير التربية عباس الحلبي أي عقوبة بحق أي أستاذ في التعليم المهني الرسمي لم يعد إلى صفّه بعد فكّ إضراب الرابطة في 6 آذار الماضي. لا بل كافأ الحلبي أساتذة في «المهني» لم يدرّسوا أو قدّموا طلبات استيداع وسافروا إلى الخارج، بإعطائهم عشية الامتحانات الرسمية الأخيرة «دفعة على الحساب»، هي عبارة عن 45 في المئة من قيمة عقود لم تُدقّق، ولم يعرف ما إذا كان أصحابها نفّذوا فعلاً الساعات التعليمية.
وبلغت قيمة الدفعة الأولى من إجمالي ساعات التعاقد في العام الدراسي الماضي 2022 - 2023، نحو 340 مليار ليرة. وقد تقاضى أساتذة ملاك لديهم «تعاقد داخلي» أموالاً رغم وجودهم خارج لبنان، من بينهم مدير معهد غادر إلى مصر، العام الماضي، تقاضى نحو 24 مليوناً و500 ألف ليرة، ورئيس مصلحة سابق موجود في كندا تقاضى 19 مليوناً و500 ألف ليرة، ومدير معهد سابق قدم طلب استيداع، وموجود في تركيا منذ سنتين، تقاضى 736 ألف ليرة لأن عقده لا يتجاوز 3 ساعات. وحصل صاحب مهنة حرة متعاقد لم يدخل الصف بعد الإضراب على 24 مليوناً و100 ألف ليرة، وقبضت إحدى المتعاقدات «المنقطعات» 40 مليون ليرة، وغيرهم الكثير ممن لم يعلّموا أو قدموا طلبات استيداع وإجازات مفتوحة.
وفي وقت يسعى فيه وزير التربية لتأمين «سُلف من الخزينة العامة» لدفع حوافز أساتذة التعليم الرسمي بكل مكوّناتهم، بمن فيهم أساتذة الجامعة اللبنانية، توزع الأموال يميناً ويساراً في التعليم المهني الرسمي. فهل هو صيف وشتاء تحت سقف واحد؟ وهل المديرية العامة للتعليم المهني إمارة مستقلة عن وزارة التربية؟ وكيف تُخترع بدعة «الدفعة على الحساب» من العقد الذي يُدفع على أساس الساعات التعليمية المنفّذة من دون معرفة عدد هذه الساعات، وإذا كان عددها لدى البعض أقل من 45% هل تسترد الدولة الفرق، ولا سيما أنه عندما صرفت الأموال لم يكن التعليم قد بلغ 10 في المئة من العقد؟ وهل هناك طريقة لاسترداد الأموال من المسافرين الذين لم ينفذوا أي ساعة، وهل يُحاسب المسؤولون عن هذا الخطأ؟ ولماذا لم تُدقّق العقود؟ هل لأن المسؤول عن تدقيقها منصرف للعمل مع منظمات دولية والاهتمام بالدورات التدريبية التي هي من مهمة مصلحة التأهيل المهني وليست من صلاحية المصلحة الفنية التي ينتمي إليها الموظف؟ وماذا لو تقاضى أساتذة الملاك أكثر من ساعات التعاقد التي يسمح لهم بها القانون (10 ساعات في التعليم الرسمي و6 ساعات في التعليم الجامعي)؟
التعاقد هو إحدى القضايا الشائكة التي تبدأ عندها مشكلات التعليم المهني الرسمي ولا تنتهي. في القطاع 13 ألف متعاقد يمكن، بحسب مصادر إدارية مطلعة، خفضهم إلى النصف بالحد الأدنى إذا ما أخذ أساتذة الملاك ساعاتهم القانونية، وإذا ما أعيد أساتذة المعهد الفني التربوي من الأعمال الإدارية إلى التعليم وتوقف التشعيب العشوائي للقاعات والمصانع والمختبرات.
23 سنة مضت على آخر مباراة تثبيت لأساتذة التعليم المهني الرسمي عبر مجلس الخدمة المدنية. منذ ذلك الوقت، أحكمت العقلية الزبائنيّة سيطرتها على مسار التعاقد السنوي مع الأساتذة، تارةً بذريعة تشعّب الاختصاصات (170 اختصاصاً)، أو بحجة افتتاح معاهد ومدارس مهنية جديدة، أو بتكليف أساتذة الملاك بأعمال إدارية بدلاً من التعليم لزيادة أعداد المتعاقدين. أدّى ذلك إلى رفع أعداد المتعاقدين إلى 13 ألفاً، فيما لا يتعدى عدد الداخلين في الملاك 1500 أستاذ.
في انتظار العملية الجراحية لهذا الملف، تتمسّك مصادر تربوية بقاعدة ذهبية: التعليم لا يريد صاحب حاجة، بل صاحب كفاءة. وتوضح أن الحاجة إلى العمل تدفع الكثيرين إلى التعاقد في التعليم الذي بات مهنة متاحة لكل الناس، من دون أي إعداد مسبق.
ينوي عدد من الأساتذة الذين عاقبهم وزير التربية بإنزال «قرار حسم تأديبي» بحقهم، وفقاً للقرار 538 الذي طاول 61 أستاذاً في التعليم الثانوي، التقدم بدعوى أمام مجلس شورى الدولة عبر عدد من المحامين المتطوعين. «الموعد ضيّق لتقديم دعوة الإبطال»، بحسب القيادي في التيار النقابي المستقل حسان زيتوني المشمول بـ«الحسم التأديبي»، ولكن «سيتم تقديم دعوى ثانية لإبطال القرار 573 الذي يطاول أكثر من 3000 أستاذ بعدم استحقاق الراتب عندما تجهز التوكيلات القانونية اللازمة». ولفت زيتوني إلى «إمكان إبطال قرارات وزير التربية كونها استندت إلى نصوص قانونية ضعيفة، ولا سيّما قانون الموظفين 112/1959 المبطلة غالبية مواده بالمواثيق الدولية التي وقّع عليها لبنان، والتي تكفل الحق في الإضراب، بالإضافة إلى الاستنسابية في معاقبة 61 أستاذاً من أصل 4500 امتنعوا عن التعليم». كما أشار إلى «أنّ الأساتذة لم يضربوا، بل امتنعوا قسرياً عن الوصول إلى مراكز عملهم بسبب تدني رواتبهم لدرجة عدم تغطيتها بدل النقل اليومي، إذ خسرت 98% من قيمتها، وهذا ما تكلّم عنه الوزير الحلبي شخصياً». ويُذكر أنّ خطوة وزير التربية تُعتبر سابقة عالمياً في التعاطي مع الأساتذة وكمّ الأفواه. فكل الإضرابات في لبنان لم تجرِ معالجتها بالطريقة نفسها، ولا سيّما إضرابا موظفي الإدارة العامة والقضاة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك