جاء في "الراي":
عزّز الارتدادُ المَباغِتُ لـ «كرة النار» في أوكرانيا إلى الداخل الروسي منْذِرَةً بفوضى يُخشى أن تتمدّد في روسيا وخارجها مع قلْب «الطبّاخ» يفغيني بريغوجين الطاولة واللعبة على «بابا الكرملين» فلاديمير بوتين، مَخاوف أوساط مطلعة في بيروت من أن «الأرضَ المتحرّكةَ» بقوةٍ في أوروبا - القابعة في فوهة البركان الأوكراني - من شأنها حرْف الأنظار والاهتمامات عن المأزق الرئاسي في لبنان الذي أنْهَك المجتمع الدولي بأزماته وسط قلق من أن تكون مهمة جان - ايف لودريان آخِر مظاهر الرعاية لـ «بلاد الأرز».
ولم يكد لودريان، الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أن يحزم حقائبه أمس في ختام زيارته التي استمرت 4 أيام ورعى خلالها «حواراً بالمفرّق» بين كل أطياف الواقع اللبناني، حتى سَبَقتْه أخبار التمرُّد المسلّح لقوات «فاغنر» على «القيصر» بوتين الذي بدا أمام معادلة «طابِخ السم آكله» وهو يصف «خيانة» بريغوجين الذي سدّد «خنجراً مسموماً» في ظهر الرئيس الروسي رغم محاولة حصْر عصيانه بأنه انتفاضة على قادة الجيش الروسي وصراع على السلطة العسكرية.
وسريعاً حَجَبَ غبارُ تطورات الميدان في المقلب الروسي وسيطرة قوات «فاغنر» على مدينة روستوف ذات الأهمية الاستراتيجية، هي التي تضم مركز قيادة مجموعة القوات الروسية المنخرطة في أوكرانيا ككل، «الدخانَ الرمادي» الذي غلّف مهمةَ وزير الخارجية الفرنسي السابق، حتى بدا خطر غرق التايتنيك اللبنانية ثانوياً أمام احتمالات تَشَظّي الحَدَث الروسي في أكثر من اتجاه وإصابته كل أوروبا التي تقيم فوق الجمر الأوكراني.
ولم يكن أكثر تعبيراً عن احتجاب خلاصات زيارة لودريان خلْف صِدام بوتين - بريغوجين وما بدأ يرافقه من فتْح «الصندوق الأسود» لفاغنر وأسرارها وارتباطاتها و«مرْبط قرارها» وحجم الخسائر الروسية في أوكرانيا، من خروج الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في تغريدة حذّر فيها من «ان ما يجري في روسيا الاتحادية والذي قد يجرّ إلى حرب أهلية وفوضى إنما يهدد القارة الاوروبية والسلم العالمي. لذا وجب على الغرب عدم التدخل في الشأن الروسي الداخلي والعمل وبشكل جدي على إنهاء الحرب مع أوكرانيا من خلال مؤتمر دولي يؤكد على جوهر اتفاقيات مينسك السابقة».
وعَكَسَ موقف جنبلاط مخاوف كبرى من أن تتفشّى الحرب في أوكرانيا التي بدأت «تحرق يدي» روسيا التي لم تعتقد أن «بائع النقانق»، الذي شقّ طريقه تباعاً إلى أن أصبح «طبّاخ بوتين» ومؤسِّس «سرايا المرتزقة» سيتحوّل أكبر كابوس لحامل الحزام الأسود في الكاراتيه الذي وجد نفسه أمام «وليمة سم» لم يتوقّعها وبدا وكأنه يتلقى ضربة «تحت الحزام».
وفيما انشدّ العالمُ بأسْره إلى نهايةِ مواجهةٍ لا يمكن أن تكون إلا على طريقة «يا قاتل يا مقتول» وعلى وقع رصْدٍ لمآلاتِ زجّ بوتين - لاعب شطرنج الماهر في نظر كثيرين والمقامر الذي يعتمد «الخداع» بحسب بطل العالم السابق للعبة غاري كاسباروف - «قوات أحمد» الشيشانية للتصدي لتمرُّد بريغوجين، بقي «الهمّ اللبناني» عند حدود معاينة مهمة لودريان التي أخَذَ كل طرف منها ما يناسبه:
- سواء لجهة تعزيز تمسُّكه بترشيح سليمان فرنجية باعتبار أن باريس لم تتخلّ عنه بعد أو تطوي صفحته، وهو موقف «فريق الممانعة».
- أو اعتبار أن «تصفيرَ العدّاد» الرئاسي وفق ما عبّرتْ عنه جلسةُ الانتخاب في 14 الجاري لاقاها الفرنسيون بتعديل مقاربتهم للأزمة الرئاسية التي باتت تنطلق من الصفر بمعنى تَجاوُز المبادرة التي قامت حتى الأمس القريب على مقايضةٍ بين ترئيس فرنجية وتّولّي نواف سلام رئاسة الحكومة، وهو ما استخلصتْه قوى المعارضة والتيار الوطني الحر من محادثات لودريان.
وبين الاستنتاجيْن المتناقضيْن، اكتفى لودريان قبيل مغادرته ببيانٍ مقتضبٍ قال فيه «بناء على طلب رئيس الجمهورية، الذي عيّنني موفده الشخصي من أجل لبنان، قمت بزيارة إلى بيروت من 21 إلى 24 حزيران. في هذه الزيارة الأولى، أردتُ أوّلاً أن أصغي.
ولذا التقيتُ بالسلطات المدنيّة والدينيّة والعسكريّة بالإضافة إلى ممثلّين عن كل الأطراف السياسية الممثَّلة في مجلس النواب.
سأرفع تقريراً حول هذه المهمّة إلى رئيس الجمهورية فور عودتي إلى فرنسا. وسأعود مجدّداً إلى بيروت في القريب العاجل لأنّ الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان.
سأعمل على تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين من أجل التوصّل إلى حلّ يكون في الوقت نفسه توافقيّاً وفعّالاً للخروج من الفراغ المؤسّساتي والقيام بالإصلاحات الضروريّة لنهوض لبنان بشكل مستدام، وذلك بالتشاور مع الدول الشريكة الأساسيّة للبنان».
وفيما اعتُبر كلام لودريان عن «عودةٍ على عَجَل» انسجاماً مع تحذيراته أمام مَن التقاهم مِن أن يستمر الفراغ الرئاسي حتى انتهاء ولاية البرلمان (2026) وهو ما لا يتحمّله لبنان «الذي نَفَد الوقت أمامه»، فإن أوساطاً سياسية استوقفها تأكيد الموفد الفرنسي أن الحوار بين اللبنانيين هو الممر الإلزامي لحل الملف الرئاسي، في ما بدا ترجمةً لكلامه في مستهل زيارته عن أن «الحلّ في الداخل»، وأن الحوار يفترض أن يشتمل على «الفراغ المؤسساتي» في إشارة ضمنية إلى أن جدول أعماله يُراد أن يكون على قاعدة «سلّة» تشمل رئاستيْ الجمهورية والحكومة وتعيينات - مفاتيح وربما مجمل البرنامج الإصلاحي المُراد اعتماده، ومع تفسير عبارة «الحل التوافقي والفعال» على أنه تسليمٌ بخلاصات جلسة 14 الجاري التي كرّست فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور (نال 59 صوتاً مدعوماً من تقاطع غالبية المعارضة - التيار الحر مقابل 51 لفرنجية) مرشحيْن غير توافقييْن.
وفي الإطار عيْنه، تم التعاطي مع تأكيد وجوب «التشاور مع الدول الشريكة الأساسيّة للبنان» في صوغ الحل ومساعدة لبنان على النهوض على أنه تثبيت لعدم قدرة باريس على التفرّد بمبادراتٍ، اصطدم آخرها بعدم قبول أو حماسة من سائر شركائها في «مجموعة الخمس» حول لبنان (مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر) في موازاة «جبهة رفْض» عريضة في الداخل.
وفيما كان اجتماع لودريان مع سفراء مجموعة الخمس في قصر الصنوبر خلص إلى «اتفاق على ضرورة القيام من دون إبطاء بانتخاب رئيس للبنان تمهيداً لمباشرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في إطار برنامج للنهوض (بالبلد)» لقاء الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، لاحظت الأوساط ما يشبه «ارتياب» قوى الممانعة من حوارٍ حول الرئاسة لطالما رفعت شعاره واعتبرته «المدخل الوحيد» لإنهاء الأزمة الرئاسية، معتبرة أن هذه النقزة قد يكون مردّها إلى استشعارٍ بأن الميزان الاقليمي - الدولي لم يعُد بالكامل لمصلحة فرنجية الذي راهنت هذه القوى على المسار الخارجي لتعويمه، وأن أي جلوس على طاولة حوار حول الرئاسة لوحدها سيجعلها تنطلق من أرقام جلسة 14 الجاري التي نال فيها زعيم «المردة» 77 لا لانتخابه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك