عقد رئيس "تيار الكرامة" النائب فيصل كرامي مؤتمراً صحافياً أعلن خلاله عن تقديمه اقتراح قانون معجلاً مكرراً الى مجلس النواب بعنوان "الدخل الاساسي الشامل - كرامة المواطن"، وشرح بشكل مفصّل حيثيات الاقتراح وقال: "اعرف تماماً حجم المعاناة. اعرف ان شرائح الطبقة الوسطى وشرائح الطبقات الفقيرة في لبنان تكافح كل يوم لتأمين لقمة العيش وللتحايل على سعر البنزين وسعر الغاز وكلفة الكهرباء، وأعرف ان ربّ العائلة يحسب الف حساب قبل ان يدخل الى السوبرماركت ليشتري الحد الادنى من مستلزمان العيش.
بالمقابل، هؤلاء الذين حوّلتهم السياسات الظالمة في لبنان الى فقراء يرون ايضاً كل يوم ان المطاعم والمقاهي والمولات تعجّ بالناس، وان هناك شريحة لا بأس بها تمتلك القدرة على الانفاق والاستهلاك.
هذان المشهدان المتقابلان لا يمكن ان يتعايشا في بيئة واحدة طويلاً، وهو ما ينذر باختلال خطير يضرب الاستقرار الاجتماعي والامني في حال لم يسارع المسؤولون الى مواجهة هذه الوقائع وابتكار الحلول لها.
وبما أن معظم المسؤولين في هذا البلد هم غير مسؤولين، رأيت أن عليي كنائب عن طرابلس وعن كل لبنان ان اؤدي واجبي التشريعي وان اتقدم باقتراح قانون معجل مكرر من شأنه أن يجد حلولاً مؤقتة لتأمين حداً مقبولاً من الاستقرار الاجتماعي والمعيشي بانتظار خطة التعافي الاقتصادي والتي لا يمكن أصلاً ان نطبقها الا في ظل مناخ من الاستقرار الاجتماعي والامن".
وتابع: "اقتراح القانون الذي سأتلوه عليكم هو ببساطة يتناغم مع مفهوم التكافل الاجتماعي ولكن بشكل علميّ عبر اقتطاع جزء من الضريبة على القيمة المضافة tva لصالح صندوق الدخل الوطني الشامل الذي اقترح ان يسمّى "صندوق كرامة المواطن".
بدون أي تردد اقول انني اقترح ان نأخذ من الغني وان نعطي الفقير، وذلك يكون حين نأخذ من صاحب الاستهلاك الاكبر اي القادر على الانفاق لتأمين حد ادنى من العدالة الاجتماعية.
والفئات المستهدفة بهذا الاقتراح هم افراد القوى العسكرية والامنية، المعلمات والمعلمون، موظفو القطاع العام بكليته، العاطلون عن العمل، السائقون العموميون وجميع اصحاب المداخيل والاجور المتدنية ومن يرى نفسه محتاجاً لمعونة اضافية لكي يؤمن استقراره المعيشي.
اقتراح القانون يحمي الاموال التي تتجمع في صندوق كرامة المواطن من اي محاولة للسرقة والنهب، وذلك وفق نظام الكتروني دون اي تدخل بشري، اي ببساطة لا دور هنا للتيارات والاحزاب والزعامات في كل هذه العملية.
وأقول أخيرا قبل أن اتلو عليكم النص الكامل لاقتراح القانون، بأن هذا الحلّ هو مؤقت، فضلاً عن أنه لا يؤمن الدخل الكافي المطلوب لكنه يؤمن الحدّ المطلوب من الامان الاجتماعي لكي ينصرف السياسيون والمسؤولون الى اعداد وتطبيق خطط التعافي الاقتصادي لانتشال لبنان واللبنانيين من هذه الحفرة التي تزداد يوماً بعد يوم".
وأضاف كرامي: "وذلك مع ادراكنا التام بأن السلطة التنفيذية هي من يتحمّل المسؤولية الكاملة عن تأمين الح الادنى من العيش الكريم للمواطنين والمستلزمات الاساسية لهذا العيش، ولأول مرة في تاريخ لبنان يكون اللبنانيون متروكون لمصيرهم ومواجهة اقدارهم الصعبة نتيجة تخلّي هذه السلطة عن ادنى مسؤولياتها.
وعليه، فإن تعذّر الحكومة عن القيام بواجباتها الاساسية باقرار خطة تعافي اقتصادي هو غير مقبول، وان اي عذر تقدمه في هذا السياق هو اقبح من الذنب، خصوصاً انها اصبحت الحاكم الوحيد في لبنان من دون حسيب او رقيب او شريك، وان لم تسارع هذه السلطة الى تحمّل مسؤولياتها بشكل فوري لايقاف مسلسل الانهيارات المالية والاقتصادية والمعيشية، فسنكون لا قدّر الله امام انفجار اجتماعي نعلم كيف يبدأ ولكن حتما لا نعرف كيف سينتهي.
والآن أتلو عليكم الاسباب الموجبة ونص اقتراح القانون المقدم مني بوصفي نائبا الى رئيس مجلس النواب، آملاً ان تنظر فيه الهيئة العامة والسادة النواب بالسرعة اللازمة وان نحقق من خلاله الهدف الوطني المنشود".
ثم تلا كرامي الأسباب الموجبة ومبررات العجلة قائلاً: "إن الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الذي يمر به لبنان منذ عام 2019 حتى اليوم، والذي قضى على قيمة ودائع اللبنانيين في المصارف وأدى الى انخفاض المداخيل لفئات كبيرة من الشعب اللبناني، قد ساهم بتعميق المشكلات البنيوية التي كانت قائمة منذ ما قبل الانهيار، والتي كانت تحتاج اصلاً الى إصلاح فوري، أصبح الآن أكثر صعوبة من ذي قبل، لكنه في المقابل بات أكثر إلحاحاً وضرورة.
إن نسبة لللامساواة في المداخيل بين أفراد المجتمع اللبناني((Gini coefficient التي كانت قبل الانهيار من أعلاها عالمياً ( 129 من 141 دولة بحسب تقرير وزارة المال عام 2017)، قد ارتفعت على الأرجح بعد الانهيار والمؤشرات على ذلك عديدة، ليس آخرها تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعيلة لغرب آسيا (الأسكوا) الذي أفاد بأن نسبة الفقر في لبنان بلغت أكثر من 80 في المئة عام 2021 بعدما كانت بحدود الـ40 في المئة عام 2019.
كما يظهر نفس التقرير أن أكثر من 70 في المئة من الأسر اللبنانية تواجه صعوبات في تأمين الحاجات الأساسية لأفرادها من غذاء ودواء وتعليم، وأن نسبة الفقر المدقع أصبحت من الأعلى عالمياً حيث أن أكثر من 40 في المئة من الأسر لديها مدخول أقل من 100 دولار شهرياً، و90 في المئة لديها مدخول أقل من 377 دولار.
وبما أن البلد أصبح على مشارف انهيار اجتماعي خطير من الممكن أن يتطور لاحقاً الى انهيار أمني في كافة ربوع الوطن.
وبما أن الوضع المزري للسكان لا يستطيع انتظار الحلول الخارجية الخاضعة للتجاذبات الاقليمية والدولية.
وحيث أن الحماية الاجتماعية تقع في صلب أهداف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للبنان، وبما أن أحد الأهداف الأساسيلة للتنمية المستدامة للأمم المتحدة التي وافق عليها لبنان هي القضاء على الفقر.
وبما أن برامج مكافحة الفقر الحالية تعتمد على القروض الخارجية من البنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية، وبالتالي فإنها لا تدخل في باب المشاريع المستدامة وترتب ديوناً إضافية على اللبنانيين في كل الأحوال.
وبما أن المسح الميداني لتحديد الأسر الفقيرة ممكن أن تصل كلفته بحسب معظم الدراسات الى 9 في المئة من قيمة مشاريع مكافحة الفقر، مع ما يستتبع ذلك من أخطاء بشرية وتنفيعات وزبائنية، ويفتح الباب أمام أبواب الهدر والفساد وعدم وصول المساعدات الى مستحقيها.
وبما أن أي خطة أصلاح ومعالجة أقتصادية وطنية ستتضمن حكما بندا للتقديمات والمساعدات الأجتماعية لسببين:
أولاً: لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية الحاصلة والمساعدة في مواجهتها.
ثانياً: لتحصين المجتمع من الاثار الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي ستقع على المواطنينمن من جراء الأجراءات القاسية التي لن تخلو منها أي خطة انقاذ واصلاح أقتصادي.
وعليه، وجب على الدولة تأمين الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية لّلبنانيين عبر تحويلات مالية شهرية مستدامة للأفراد والأسر، عن طريق التمويل الداخلي المستدام وغير الخاضع للتجاذبات والتقلبات التي لا يمكن التحكم بها.
إن انخفاض الناتج المحلي اللبناني من 52 مليار دولار قبل الأزمة الى حدود 21 مليار دولار عام 2022، يفترض أن ينخفض الاستيراد بنسبة مرتبطة ((correlation، غير أن ذلك لم يحصل. بل حافظ الاستيراد على مستوى 19 مليار دولار سنويا، مع تغيير بنيوي في أبواب المواد المستوردة. وقد انخفض الاستهلاك المحلي بنسبة 30 في المئة تقريبا خلال هذه الفترة.
فقد انخفضت قيمة المستوردات الغذائية الى النصف تقريبا، تلتها الأدوية، بينما زادت المستوردات الأخرى بنسبة كبيرة (سيارات مثلا). وبغض النظر عن استباق التجار لرفع الدولار الجمركي، فإن ذلك يشكل مؤشرا مهما على أن القدرة الشرائية لفئة من اللبنانيين ما زالت قوية ولم تتأثر بالانخفاض في المداخيل الذي تأثرت به الطبقات الأخرى.
وحيث أن جزءا مهما من الاقتصاد تحوّل الى اقتصاد نقدي لأسباب عديدة أهمها أزمة المصارف وابتعاد المواطنين عن استعمال الطرق الرسمية لتسجيل المعاملات التجارية والدولرة، فإن تمويل مشروع الدخل الأساسي الشامل لا يمكن أن ينجح عن طريق زيادة الضرائب المباشرة (الدخل، أرباح الشركات، رسوم الانتقال) في هذه الفترة بالذات، ولو أنه من الواجب على الدولة أن تعيد النظر في كل السياسة الضريبية التي تشجع الريع بدل الانتاج، وتساهم في تعميق الهوة بين الطبقات بدل التوزيع العادل والهادف للضرائب.
ولذلك فإن التمويل لا بد أن يحصل عن طريق الضرائب غير المباشرة وبالتحديد الضريبة على القيمة المضافة التي ترتبط بالاستهلاك الذي أصبح واضحاً للجميع أنه ليس متوازناً البتة بين طبقات الشعب اللبناني.
إن التمويل الأمثل لهذا المشروع يجب أن يكون في فرض ضرائب أكبر على الانتقال والربح الرأسمالي فوق سقف معين، أو في فرض ضريبة على الثروة لفترة معينة (كما فعلت دول أخرى). لكن الواقعية تقتضي الاعتراف بأن الفساد وسوء استعمال السلطة سيؤديان الى تهرّب المكلفين الكبار والمتنفذين مما سيخفض الواردات المأمول تحصيلها من تلك الضرائب. بينما لا ينطبق ذلك على ضريبة القيمة المضافة.
إن الضريبة على القيمة المضافة تُعتبر ضريبة تنازلية (عكس التصاعدية) بالاجمال، الا في حال استثنت المواد الأساسية من غذاء ودواء وغيرها. وفي حال توزيع مداخيلها على كل المواطنين، فإنها تصبح تصاعدية بامتياز. كما أنه من شبه المستحيل التهرب منها، فلا يستطيع اصحاب النفوذ التحايل عليها كما يحصل في حالة الضرائب المباشرة.
ولذلك نقترح زيادة الضريبة على القيمة المضافة بـ3 نقاط مئوية (من 11 في المئة حاليا الى 14 في المئة)، حيث ان آليات احتساب وجباية هذه الضريبة فعّالة عموما، وتلحظ الاستثناءات على المواد الأساسية للعيش من غذاء ودواء وغيرها، مما يقلل من تأثير زيادتها على الطبقات الفقيرة. علماً أن معدل الضريبة على القيمة المضافة في الدول المجاورة تتخطى الـ17 في المئة.
فمن يستهلك أكثر من المعدل سيموّل المشروع لكي يستفيد منه من يستهلك أقل من المعدل، علما أن الطرفين سيحصلان على نفس قيمة التحويل الشهري المادي.
وحيث أن كل نقطة مئوية تزيد الواردات بقيمة 200 مليون دولار تقريبا (بناءا على أرقام عام 2019)، فإن القيمة الاجمالية للزيادة على ضريبة القيمة المضافة ستكون 600 مليون دولار تقريباً معدّلة بحسب أرقام الاستهلاك لعام 2023 (اقل بـ30 في المئة من 2019) فتبلغ 420 مليون دولار. ( على اعتبار سعر الصرف الرسمي مساويا لسعر السوق).
وعلى افتراض أن يتقدم 1.8 مليون لبناني مقيم للاستفادة من المشروع، فإن حصة الفرد من توزيع الواردات الضريبية الاضافية ستعادل حوالى 20 دولار شهريا. أي أن أسرةً من 5 أشخاص (بغض النظر عن مدخولها) ستحصل على ما يقارب 100 دولار شهريا.
علماً أن كلفة الزيادة الضريبية الجديدة ستكون مثلاً بحدود 180 دولاراً لأسرةٍ غنية تنفق 6000 دولار شهرياً، بينما تبلغ 9 دولارات فقط لأسرةٍ فقيرة تنفق 300 دولار شهرياً".
وفي ما يلي اقتراح القانون المعجّل المكرّر:
"الدخل الأساسي الشامل - (قانون كرامة المواطن)
-النائب فيصل عمر كرامي-
المادة الأولى:
الشروع بتطبيق نظام "الدخل الأساسي الشامل" (universal basic income) ليشمل جميع فئات الشعب اللبناني بما فيهم القوى الأمنية وموظفين الدولة ومعلمي المدارس وباقي المواطنين المقيمين، والذي يحصل بموجبه كل فرد بالغ، وكل أسرة (بحسب عدد أفرادها)، على مبلغ شهري يتم تحويله الى حساب الفرد أو الأسرة بغض النظر عن الحالة الاجتماعية او الدخل الفردي. وفقاً للأجراءات التالية:
أ- يتم إنشاء صندوق الدخل الأساسي الشامل بحسب القوانين المرعية الإجراء.
ب- على كل مواطن يبغي الاستفادة من تقديمات الصندوق أن يتقدم بأوراقه الثبوتية والمعلومات عن وضعه العائلي (اعزب ام متزوج، عدد الاولاد، مكان السكن، رقم الخليوين الخ) على منصة الكترونية يتم انشاؤها خصيصاً لذلك، او الاستعانة بأي منصة الكترونية رسمية تستعمل حاليا ويمكنها القيام بنفس الوظيفة المطلوبة.
ج- يحق لأي مواطن لبناني مقيم في لبنان الاستفادة من الصندوق، على أن تنظم المراسيم التطبيقية طريقة التأكد من شروط الاقامة، وآلية التحقق الدوري من الاقامة خلال فترة دورية يحددها المرسوم.
د- تقوم وزارة المال بزيادة 3 في المئة على الضريبة على القيمة المضافة بغرض تمويل هذا الصندوق، ليصبح المجموع الكلي للضريبة على القيمة المضافة 14 في المئة. وتلتزم وزارة المال بتحويل الأموال المجباة الخاصة بهذا القانون شهرياً الى حساب الصندوق في مصرف لبنان. ولا يجوز لها لأي سبب من الأسباب بالأمتناع عن دفع الأموال المجباة لصالح هذا الصندوق ولا يجوز لها تعديل أجراءات هذا القانون، الا بعد الرجوع الى مجلس النواب ومقراراته.
ه- يتم تحديد المبلغ الشهري للفرد بقرار من وزارة المالية، بناءً على المبالغ المجباة من الضريبة على القيمة المضافة والمعلنة على موقع الوزارة.
و- يعتبر فرداً كل من بلغ الثامنة عشر من عمره، ويتم تحويل حصته اللى حسابه الالكتروني الخاص. أما حساب العائلة فيتم تحويله الى الشخص المسؤول عن حضانة الاولاد ما دون الـ18.
ز- يتم القبض من خلال مكانات (الأي تي أم) أو من خلال انشاء محفظة الكترونية لكل مستفيد من الصندوق، مربوطة برقمه الخليوي، أو من خلال أي وسيلة الكترونية أخرى.
ح- يتم استثناء الأفراد والعائلات التي تستفيد من برامج دعم أخرى ممولة من جهات خارجية أو داخلية، على أن تكون المبالغ التي تستفيد منها شهرياً أعلى من المبلغ المقدم من الصندوق.
ط- لا يمكن تطبيق الزيادة الضريبية الا بعد أن يتقدم أكثر من 500 ألف مواطن للاستفادة من الصندوق، وأن تكون كل المستلزمات المطلوبة لتحويل الاموال جاهزة للتنفيذ. على أن يبدأ التحويل في مدة أقصاها شهرين بعد تطبيق الزيادة الضريبية.
ي- عند إقرار القانون يُصار الى الى إدراجه في الموازنة العامة للدولة اللبنانية كما ورد.
ق- يتعرض للملاحقة القانونية كل من يحاول التحايل للاستفادة من تقديمات الصندوق بطريقة مخالفة لأحكام هذا القانون.
المادة الثانية:
يعمل بهذا القانون فور نشره بالجريدة الرسمية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك