ذكرت صحيفة "الجمهورية": مما لا شك فيه أنّ الوضع في سوريا بات ملفاً مستقلاً قائماً في حدّ ذاته ومطروحاً بقوة على مستوى الاتحاد الأوروبي بمختلف هيئاته بما فيها الدفاعية، وسط حديث ثابت عن موقف أوروبي شبه موحّد في النظرة إلى الملف السوري والمخارج المقترحة. ولذلك كثُر الحديث عن مرحلة انتقالية لا تلحظ دوراً للأسد فيها. ما هي مقوّمات هذه المرحلة؟
يتحدّث زوار القارة الأوروبية عن ورش عمل متعددة الاختصاصات تعمل بكدّ منذ أشهر بحثاً عن مخرج للأزمة السورية لوقف حمام الدم في دولة هي الأقرب إليها وكانت قبل اندلاع الثورة فيها مرشحة للدخول إلى جنّة السوق الأوروبية المشتركة والأسواق الأورو- متوسطية بأفضليات اقتصادية وسياسية ميّزتها عما عداها من دول حوض البحر الأبيض المتوسط.
في أولويات اهتمامات أوروبا
والى المنسقيات العامة التابعة للاتحاد الأوروبي التي وضعت الملف السوري على رأس جداول أعمال هيئاتها العامة، تشهد العواصم الأوروبية مؤتمرات متخصصة نَمَت على هامش مؤتمرات جنيف وباريس بعد أنطاليا، تجمَعُ في فاعلياتها الأكاديميين إلى جانب اعتق الديبلوماسيين والمفكرين المستشرقين وتبحث في مشاريع برامج لـ"مستقبل سوريا ما بعد الأسد". ومن بين هذه المؤتمرات واحد خُصّص للبحث في السيناريوهات المقترحة للخروج من المأزق الذي وصلت إليه الأوضاع في سوريا.
ما يقول به السيناريو
ويقول الزوار العائدون من أوروبا إنّ من بين السيناريوهات المقترحة واحداً يتحدث عن حكومة انتقالية سورية تتمثل فيها المعارضة السورية في الخارج، ومن معارضة الداخل إذا أمكن، وهي تجمَعُ متخصصين سوريين في مختلف القطاعات السياسية والعسكرية والقضائية والاقتصادية وبعضهم من رموز سبق لهم أن خدموا النظام وضموا جهودهم إلى قيادة الثورة في وضع البرامج لإعادة إنماء سوريا وإعمارها على أسس جديدة تسمح باستغلال موارد سوريا الطبيعية وإنهاء سياسة الاحتكار عبر المؤسسات العامة التابعة للحزب والدولة في النظام السوري القائم منذ 42 عاماً.
عناوين محلية للمرحلة الانتقالية
وقال السيناريو بمراحل انتقالية تُقدّم الملفات السياسية والديبلوماسية والعسكرية في المرحلة الراهنة قبل الاقتصادية والإنمائية منها، في انتظار ما تسمّيه الخطة "التحرير الكامل للتراب السوري" وإنهاء النظام.
وفي المعطيات التي تخضع للنقاش مدى قدرة المعارضة السورية على إقامة موطئ قدم على الأراضي السورية في المرحلة الأولى، وقد يكون الإعلان عن نقل القيادة العسكرية لـ"الجيش السوري الحر" إلى الداخل السوري أولى الخطوات التي تمهّد لقرارات أخرى قد تصل في حدها الأقصى بعد تشكيل الحكومة الانتقالية وتوزيع المهمات السياسية والإنسانية والمالية على أعضائها، إلى تشكيل الجهاز الديبلوماسي للسلطة الجديدة التي يمكن أن توزّع سفراء جدداً في العواصم والهيئات الدولية والعربية التي طُرد منها السفراء السوريون ولمزيد من الضغوط الهادفة إلى تعزيز العزلة الدولية على النظام وداعميه.
... وأخرى إقليمية ودولية
وفي المراحل الانتقالية المقررة، حضّ العالم على ممارسة أقصى الضغوط على روسيا والصين في مرحلة تضمن لهم مصالحهم الاقتصادية والمالية والسياسية وتقديم الملفات الإنسانية على ما عداها من مقومات الصراع الأخرى، وخصوصاً تلك التي تتصل بمراعاة المقترحات الروسية والصينية التي تفصل بين الأسد والنظام في سوريا، وهو ما قد يسمح بالبحث الجدي عن سلطة انتقالية تُنتج نظاماً جديداً يستند إلى انتخابات ودستور جديد يُنهي مظاهر الاستئثار بالسلطة ودور الحزب الواحد وخطوات أخرى تتصل ببرامج الإصلاحات التي تحدث عنها الأسد نفسه ولم ترَ النور بعد.
وفي ما هو مقترح سعي إلى فرض نوع من الحماية الدولية على المناطق "المحررة" وتلك التي انتفت فيها سلطة الحكومة المركزية، وأخرى وَضَعها النظام في عهدة أحزاب سورية محلية في إشارة غير مباشرة إلى المنطقة الكردية في شمال سوريا، والتي قيل إنّ الجيش السوري النظامي أخلاها منذ اشهر عدة تزامناً مع بداية الثورة السورية، وهي مناطق تتجه بسرعة إلى نظام لامركزي قوي قد يشكل نواة دويلة كردية شبيهة بتلك التي قامت في شمال العراق تزامناً مع حملة إسقاط نظام صدام حسين.
أسئلة وجيهة بلا أجوبة
والى هذه الخطط، يبدو أنّ هناك أسئلة كثيرة مطروحة ولم تتوافر لها الأجوبة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- هل ستتوصّل المعارضة السورية إلى تشكيل الحكومة الجديدة؟
- هل يمكن للثورة السورية بأجنحتها المتعددة أن تتفق على توزيعة جديدة للحصص في الحكومة الجديدة؟
- من سيكون القائد الفعلي لها بعدما لم تنجح التجارب السابقة طيلة الأشهر الثمانية عشرة السابقة في إنتاج قائد سوري يجمع مختلف الفصائل التي تجمعت في بوتقتها كمجلس وطني سوري معارض؟
ويعترف المطلعون على هذا السيناريو أنّ هناك عقدة مهمة للغاية تتجاوز في تأثيراتها ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الإجراءات ويمكن تلخيصها بعدم ظهور البديل من الأسد لقيادة سوريا أو أي شخص يوحي بإمكان القيام بهذه المهمة طالما أنّ المجتمع الدولي غير قادر إلى اليوم في ظل الفيتو الروسي - الصيني على تشكيل إدارة دولية لسوريا الجديدة.
وعلى هذه القواعد والمعطيات، سيبنى الكثير من مقومات مستقبل سوريا والمنطقة علما أنّ المعوقات التي تحول دون هذا السيناريو ليست سهلة على الإطلاق، وقد يؤدي التقصير في أي من مراحلها إلى إعادة خلط الأوراق من جديد. وطالما أنّ مقومات استمرار النظام ما زالت قائمة، ومعها قدرة المعارضة على خوض المعارك، ستتساوى قدرات الطرفين في معركة طويلة الأمد لا يعرف أحد من اليوم ما ستؤول إليه المواجهة المدمرة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك