كتب زياد شبيب في "النهار":
في أيلول المنصرم وقّع وزير المال يوسف خليل عقد التدقيق الجنائي مع شركة "الفاريز اند مارسال" بعدما تبلّغ موافقة ديوان المحاسبة على العقد. وقد اعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون ذلك "خطوة نوعية في مسيرة التزام قواعد الشفافية ومكافحة الفساد والإصلاح والمساءلة والمحاسبة عند الاقتضاء"، مؤكداً بأن "التدقيق سوف يشمل لاحقا المؤسسات العامة والإدارات والمجالس والصناديق والهيئات، ولاسيما منها تلك التي حامت الشبهات حول أداء المسؤولين عنها خلال الأعوام الثلاثين الماضية".
التدقيق والمحاسبة عند الاقتضاء، من دون استنساب أو افتراء، هما بالفعل السبيل الحقيقي لإعادة بناء ثقة ال#لبنانيين المفقودة بالدولة، ولا بد لنا من الأمل وانتظار النتائج. لكن تجربة إنجاز العقد، الإيجابية من حيث المبدأ، تحتاج إلى تصويب لكيلا تنتفي النتيجة المتوخاة منها، بالنظر لِما شاب العقد مع شركة التدقيق والمصالحة التي أجريت معها بعد فسخها العقد السابق من طرف واحد، من شوائب.
العقد مع شركة "الفاريز اند مارسال" عقد إذعان، أذعنت فيه الدولة لشروط الشركة التي يمكن وصفها بالبنود الخارقة لما هو مألوف في العقود. والمقصود بعقود الإذعان تلك التي تشبه العقود مع المصارف وهي نماذج معدة مسبقاً يتم تضمينها شتى أنواع الشروط والتنازلات الموضوعة لصالح الطرف الأقوى في العقد.
اقترنت موافقة ديوان المحاسبة على مشروع العقد بعدد من الملاحظات الجوهرية التي كان يفترض الأخذ بها لكي يكون العقد سليماً، ولكن يبدو أن التوقيع حصل فور ورود الموافقة ودون تعديل.
ومن البنود المجحفة بحق الدولة:
- تأكيد العقد على حق الشركة في تقاضي مبلغ 150 الف دولار نتيجة فسخ العقد السابق وقد أبدى الديوان رفض عقد المصالحة على هذا المبلغ لأن الشركة لم تقم بأي عمل لكي تستحقه.
- إعفاء الشركة من الضريبة على القيمة المضافة وأية ضرائب أخرى تتوجب بموجب القوانين اللبنانية والتزام الدولة اللبنانية بتحملها. وقد أشار الديوان إلى عدم جواز الإعفاء.
- تحديد فائدة تأخير تترتب على الدولة في حال التأخير بتسديد المبالغ للشركة وتبلغ نسبة الفائدة 2 بالمئة يومياً، وقد أشار الديوان إلى عدم جواز ذلك.
- خلو العقد من أي بند يتضمن حق الدولة بغرامة أو تعويض في حال تأخر الشركة أو امتناعها عن القيام بموجباتها.
- يعطي العقد للطرفين حق إنهائه ولكنه يتوجب على الدولة أن تدفع المستحقات المالية للشركة في حال أنهت هذه الأخيرة الاتفاقية بإرادتها المنفردة ودون مبرر. وقد أشار الديوان إلى عدم جواز ذلك.
- يحمّل العقد الدولة مصاريف وأتعاب المستشار القانوني للشركة في ما يتعلق بتنفيذ العقد وفي أي نزاع محتمل بين الطرفين.
- أما البند الأكثر دلالة فيتعلق بالقيود التي تفرضها الاتفاقية على وزارة المال بشأن استعمال التقرير المبدئي الذي تضعه الشركة، وقد أكد ديوان المحاسبة على وجوب أن يكون للوزارة الحق بالتصرف بالتقرير دون أخذ موافقة الشركة وخاصة لناحية استعماله أمام المحاكم بصيغته الرسمية ودون قيود.
التدقيق ينتهي إلى وضع تقرير يمكن أن يحال إلى القضاء لإجراء الملاحقات الجزائية إذا ما تبين حصول أفعال جرمية، ولا يجوز تقييد حق الدولة في ذلك وإلا فقد التدقيق الجدوى منه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك