كتبت رلى إبراهيم في "الأخبار":
مرفأ بيروت ينهار. لم يعُد الأمر مجرّد توقعات بعدما باتت كلّ الرافعات الجسرية العاملة في محطة الحاويات على وشك التوقّف عن العمل كُلّياً لتعذّر صيانتها. إدارة المرفأ تعزو سبب هذا الانهيار إلى حجز المحكمة على إيراداتها بالدولار النقدي نتيجة دعوى قضائية، في حين يشكّك المحامون بحجة الإدارة ويحتفظون بحقّ تقاضي التعويضات لعائلات شهداء الانفجار. وإلى أن يتم حسم هذا الملف القضائي، يؤثر بطء محطة الحاويات وشللها على عمل البواخر الكبيرة ويهدّد بتصنيف شركات الملاحة لمرفأ بيروت من ضمن المرافئ غير الصالحة لاستقبال السفن الضخمة، ويكمل الحصار على البلد. أسطورة «لبنان همزة الوصل» بين الشرق والغرب على وشك أن تصبح ذكرى من الماضي.
قبل نحو شهر، كانت 6 رافعات من أصل 16 رافعة جسرية لا تزال تعمل في محطة الحاويات في مرفأ بيروت. يومها حذّرت غرفة الملاحة الدولية من أن المحطّة شبه المشلولة قد تتوقّف عن العمل. صعوبة إصلاح الرافعات وصيانتها وتأمين قطع غيار لها بسبب عدم توفر الدولارات النقدية، أدّى إلى تعطّل رافعة إضافية، ليقتصر عدد الرافعات العاملة اليوم على 5 فقط (واحدة منها تعمل بـ 20% فقط من قدرتها التشغيلية). لم يحدث ذلك فجأة، بل سلك مساراً انحدارياً منذ انفجار المرفأ. تدرّج الوضع من 12 رافعة بحالة جيدة إلى خمس لا تعمل بكل طاقتها ومهدّدة بالتوقف في أي لحظة، ما سيعطّل محطة الحاويات تماماً ويتسبّب بشلّ حركة المرفأ كُلّياً.
ماذا يعني ذلك؟ بحسب المدير العام للجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، عمر عيتاني، «ما يحصل يضع الأمن الغذائي والاجتماعي في خطر، بمعنى أن استيراد المواد الغذائية والحليب والأدوية والمعدات الطبية وغيرها من المواد الأساسية سيتوقف مع توقف المرفأ عن العمل»، لافتاً إلى أن «70% من حركة الاستيراد و90% من حركة التصدير تتم عبر البور». المتسبّب في ذلك كلّه قراران قضائيان بالحجز الاحتياطي على إيرادات المرفأ المُحصّلة بالدولار من الوكالات البحرية، قيمة كل منهما مليونا دولار، نتيجة دعاوى تقدّم بها نقيب المحامين ملحم خلف و23 محامياً بالنيابة عن عائلات شهداء انفجار مرفأ بيروت. الحجز، وفق عيتاني، طال نحو 85 شركة كبرى كان من المفترض أن تستخدم دولاراتها لدفع متوجبات إدارة المرفأ للشركة المُشغّلة لمحطة الحاويات والتي تتولّى صيانة الرافعات وضمان حُسن عملها». والشركة التي دُمّر مستودع قطع الغيار الخاص بها في العنبر 16 جرّاء الانفجار، لم تتمكّن منذ ذلك الوقت من معالجة الخلل الذي أصاب آلاتها. لذلك ساء حال الرافعات بسبب استهلاكها بشكل مُكثّف، وتعطل نصفها. ما تبقى اليوم هو «أربع رافعات تعمل على رصيف واحد ورافعة تكاد لا تعمل على رصيف آخر»، بحسب عيتاني، و«قد جرت العادة أن تنقل هذه الرافعات بين 30 و40 مستوعباً في الساعة الواحدة، فيما تقتصر قدرتها الحالية على مستوعبَين فقط، لأن بعض الرافعات التي تعمل ازدواجياً (حمل مستوعبين في الوقت نفسه)، لم تعُد قادرة على ذلك بسبب تردّي حال الكابلات وحرصاً على سلامة الموظفين». أثّر ذلك على حركة البواخر. فالباخرة التي كانت تفرغ حمولتها خلال 14 ساعة كحدّ أقصى، تحتاج اليوم إلى أن تبيت أربعة أيام على الرصيف على الأقل. وهذا يعني رسوماً وأكلافاً إضافية على صاحب السفينة، ما دفع ببعض أصحاب السفن إلى التهديد بإيقاف رحلاتهم إلى مرفأ بيروت. ويحذّر عيتاني من أنه «إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، أتوقع حذف لبنان من لائحة المرافئ العالمية السبعة الأولى لا سيما أن إيرادات المرفأ باتت تقتصر على 12 مليار ليرة شهرياً بعد أن كانت 50 ملياراً في زمن الـ1500 ليرة للدولار. اليوم لا تدخل إلى المرفأ إلا البضائع الضرورية وجزء كبير منها صار يذهب إلى مرفأ طرابلس».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك