كتب نقولا ناصيف في "الاخبار":
لم يعد مؤكداً أن الوقت المتبقي للوصول إلى الانتخابات النيابية المقبلة سيكون كافياً لإتمام مهمة حكومة إصلاحات لم تؤلف بعد، ولا أحد يعرف متى وبمَن؟ إذ تنتهي ولايتها فور انتهاء الانتخابات. من تسعة إلى 11 شهراً هو الزمن الفاصل لإتمام استحقاق... إذا حصل!
مكتوب على حكومة الرئيس حسان دياب أن تسجّل سابقة تلو أخرى: أن يسقطها وزراؤها من الداخل قبل رئيسها لتفادي المثول أمام مجلس النواب من غير أن يتسبّب البرلمان نفسه ـ أو غالبيته ـ بإطاحتها، أن يعمّر تصريفها الأعمال أكثر بكثير من عمر اضطلاعها بالحكم، أن لا يلتقي رئيس الجمهورية ورئيسها إلا إلى طاولة اجتماعات طارئة مكتفيين بتبادلهما من بعد الموافقات الاستثنائية، أن تطلب من مجلس النواب - غير المعني بهذا الاختصاص في الأصل - أن يشرّع لها جواز اجتماعات مجلس الوزراء فيما الصلاحية لرئيسها فقط ووحده.
سابقتها المقبلة المرجحة، هي الحكومة المستقيلة، أن يعهد إليها في الإشراف على الانتخابات النيابية ما بين آذار وأيار المقبلين، ما دام تعذّر تأليف الحكومة متواصلاً. لا حكومة قبلها تحمّلت وزراً كهذا وهي تصرّف أعمال، وليس لها أن تهمل استحقاقاً دستورياً خطيراً سيكون هذه المرة انتخابات نيابية عامة - ليست فرعية - مسؤولة عن إجرائه. الأدهى أنها تعرف - كما سائر الأفرقاء والكتل الكبرى - أن دون انتخابات 2022 فراغاً كاملاً في السلطة الاشتراعية، لا تصريف أعمال فيها سوى - وحصراً - في هيئة مكتب مجلس النواب بإزاء ما يتصل بشؤون إدارية ليس إلا. يفترض ذلك سلفاً الظن بأن تمديد ولاية البرلمان الحالي ليس حتمياً، ويصعب هضم التفكير فيه حتى، في الداخل والخارج على السواء.
مع أن جهود تذليل العراقيل من أمام تأليف الحكومة لا تزال مستمرة، بيد أنه لم يعد داهماً لأحد، أو مصدراً لإقلاقه، أو أن يتوقع فعلاً أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة إصلاحات من خلال الطبقة السياسية نفسها التي قادت إلى الانهيار. بل تكمن المعضلة الفعلية في السؤال الآتي: تجرى انتخابات 2022 أم يتعيّن على السلطة الاشتراعية أن تجبه فراغاً حقيقياً كاملاً سيكون الأول في تاريخها، دونما تمكنها من استدراكه بتمديد الولاية؟
مبرر طرح السؤال بضعة معطيات:
أولها، أن الأفرقاء جميعاً، في السلطة وخارجها وفي هيئات المجتمع المدني، يريدون إجراء انتخابات 2022 في موعدها، كأنهم في سباق معها على حصان رابح سلفاً. الطبقة السياسية المدانة بالفساد وتدمير الدولة، قبل سواها، ودونما أوهام مسبقة بأنها ستخسرها على نحو ما يظنه خصومها، هي أكثر المستعجلين عليها. ينطبق ذلك على فريقي الغالبية والأقلية معاً يداً بيد، بلا تمييز هذه عن تلك. كلاهما، الجشع والجائع، يحتاج إلى انتخابات 2022 من أجل تأكيد استمرار حيثيته الشعبية في الشارع، بمذاهبهما كلها. تالياً دحض أي طعن في الشرعية التمثيلية التي باتت تسمعها الكتل الكبرى، ورؤساؤها خصوصاً، من سفارات نافذة لا تخفي حماستها بدورها إلى إبصارها الانتخابات النيابية تجرى في موعدها.
ثانيها، ما دامت الطبقة السياسية متيقنة من حظوظها في انتخابات 2022 على صورة انتخابات 2018 - وإن في ظل القانون الحالي للانتخاب النافذ - وما دامت أكثر وثوقاً بأن قواعدها الشعبية لن تخذلها أياً تكن وسائل اجتذاب هذه، يصبح مغزى الاستحقاق المقبل استعادة الطبقة السياسية الاعتراف الدولي بها، وبأن لا بديل منها للاستمرار في السلطة وإدارة البلاد واستيعاب أزماتها ومشكلاتها، معوّلة على الاقتراع الشعبي المتجدد، المحرَّض مذهبياً في صلبه، لها.
في مقلب معاكس، يسمع بعض السفراء المؤثرين في لقاءاتهم الدورية بممثلي المجتمع المدني وهيئاته أن المرجّح توقّعه في الانتخابات المقبلة حصول تغيير كبير في تكوين كتل المجلس، كما في دخول وجوه جديدة لا تمت بصلة إلى أحزابه وتياراته الحالية القابضة - بتوازناتها الثابتة الصلبة - على البرلمان منذ انتخابات 1992.
ذهب المحدّثون اللبنانيون هؤلاء إلى القول للسفراء النافذين، إلى حد الجزم، أن ثلث البرلمان سيتغير في المحافظات المختلفة، معوّلين على كمّ كبير من السلبيات المدمرة راكمها الانهيار الداخلي، بدءاً بما حدث منذ 17 تشرين الأول 2019 وتعاقب الأزمات النقدية والمعيشية والاقتصادية، مروراً بانفجار مرفأ بيروت، وليس انتهاء بما آلت إليه نزاعات الطبقة السياسية الحالية المنقلب بعضها على بعض، حلفاء وخصوماً.
ما قيل للسفراء أيضاً - وهو ما يفصح عنه هؤلاء أمام بعض زوّارهم بغية التحقق من صدقيّة التكهنات والرهانات المدلى بها أمامهم - ترجيح الطامحين إلى الترشح في الانتخابات المقبلة من هيئات المجتمع المدني والأحزاب المعارضة تفكك الكتل الكبرى إلى ما يشبه تفتيتها إلى أحجام صغرى، على نحو مشابه لما حدث بعد انتخابات 1972، الوحيدة مذذاك، بنشوء كتل نيابية صغيرة أكبرها لا يزيد على عشرة نواب، يكثر من حولها المستقلون. يضاعف وثوق هؤلاء بتقديراتهم أن حلفاء انتخابات 2018 أضحى بعضهم خصوم بعض، وتحللت فرص تحالفاتهم القوية السابقة الناجمة بدورها عن التسوية الرئاسية عندما أدخلت الأفرقاء جميعاً، بحسابات مدروسة سلفاً، في فلك قانون الانتخاب الحالي المقر عام 2017 بخسائر بسيطة غير مؤلمة.
ثالثها، لم يعد من السهل الظنّ إلى حدّ اليقين بأن تمديد ولاية مجلس النواب يسهل إمراره قبل الوصول إلى موعد انتخابات ربيع 2022، أياً تكن الذرائع المفترضة. بعد محاولات تمديد ثلاث توالت أعوام 2014 و2015 و2017 بحجج واهية وتواطؤ مشهود، بات الاستحقاق المقبل تحت مراقبة المجتمع الدولي وتهديد دوله النافذة بفرض عقوبات صارمة على رعاة أي تلاعب به. إذ لم تعد انتخابات 2022 استحقاقاً داخلياً يقتصر على أفرقائه القادرين على إمراره، أو على كونه مقيّداً بمهل دستورية، واجب لتداول السلطة وانتقالها الطبيعي. بل يقارب من الآن، بإشارات صريحة غير مرمّزة وليست خافية على أي من الأفرقاء الداخليين، على نحو مماثل لما رافق انتخابات 2005. حينذاك أرادها المجتمع الدولي نتيجة حتمية مكمّلة لانقلاب موازين القوى المحلية بخروج سوريا من لبنان.
بتطابق لذاك، تُشخَّص الأنظار إلى الاستحقاق المقبل على أنه جزء لا يتجزأ من نتائج الانهيار الداخلي، في شقيه الاقتصادي والنقدي كما في شقه السياسي، توطئة لحقبة جديدة لدى بعض الغرب اعتقاد أن في الإمكان الرهان عليها، خصوصاً بعدما أضحت الطبقة السياسية الحالية سيئة السمعة، سياسياً وأخلاقياً، الموصوفة بالخادعة، من فرط الاتهامات المساقة إليها في ملفات الفساد وإهدار المال العام وإخفاء الأدلة على انفجار المرفأ وتدمير النقد الوطني وإفقار المجتمع وتحلل الدولة.
طبقة سياسية كهذه، مترهّلة بمرور ثلاثة عقود على الأقل، لم تعد تصلح - كما في مطلع عهدها بعد انتخابات 1992 - لأن يأوي الغرب إليها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك