كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
بات من المُستحيل في خضمّ الازمات المُتتالية والمفاجآت المأساويّة اليوميّة التي يتلقّفها اللبنانيّون، أن يرسُموا أيّ مُخطّط بسيط لحياتهم في الايّام القليلة المُقبلة، حتّى انّ "مشواراً" لشراء بعض الحاجيّات قد لا يكتمل، وينتهي إمّا بانقطاع السيّارة من البنزين، أو بقطعٍ للطّريق، أو حتّى بماكينة صرّاف مالي فارغة، وربّما أيضاً بسوبرماركت مُقفل... فأيُّ حياة هذه التي نعيشُها؟ وما معالم المُستقبل الذي ينتظرُنا؟
تُشبه الى حدٍّ بعيد يوميّات اللبنانيّين المستجدّة وما ينتظرهم في المُستقبل حياة جماعة "الآميش" التي يقدّر عدد أفرادها بـ300 ألف شخص، ويعيش معظمهم في الولايات المتّحدة. و"الآميش" هي طائفة مسيحيّة متشدّدة بتعاليمها ومتميّزة بطريقة وبأسلوب حياة أفرادها المتواضع، فهم ينبذون كلّ أنواع الحضارة والتكنولوجيا والحداثة، ويعيشون حياةً متواضعة جدّاً وكأنهم عالقون في قرونٍ ولّت.
يتنقّل "الآميش" في عربات تجرّها أحصنة ولا يملكون سيّارات، ويعمل جميع أفراد العائلة في الزّراعة والحصاد وفي مهن حرفيّة تقليديّة، فضلاً عن صناعة الالبان والاجبان والمنتجات العذائية بطريقة تقليديّة جداً بهدف تأمين القوت اليوميّ، كما أنّهم لا يعرفون وسائل التسلية والمرح، كالسّهر والرقص والمشروب ولا يرتادون المدارس والجامعات وتقتصر "جمعاتهم" على سهرات متواضعة حيث يلعبون الورق ويتسلّون بالوسائل القديمة، كما أنّهم يساعدون بعضهم البعض في مناسبات الفرح والحزن، وفي بناء البيوت الخشبيّة وفي تأمين كلّ ما يحتاجونه بُغية عدم اللّجوء الى العالم الخارجيّ.
الكهرباء محرّمة لدى هذه الطائفة، إذ تُعتبر دلالة على التواصل مع الخارج المتطوّر، لذا تغيب عن منازلهم كلّ الاجهزة الكهربائيّة والالكترونيّة ويعتمدون على استخدام الهواء ومحركات الطاقة الهيدروليكية لآلاتهم البدائيّة.
ترتدي نساء "الآميش" ملابس محتشمة طويلة، ويضعن مناديل على الرؤوس لتغطية الشعر، أمّا الرجال فيلبسون سراويل زرقاء ويعتمرون قبّعات، ويتميّزون بلحاهم الطّويلة. وبالنسبة للتعارف والارتباط، فالعلاقات الجنسية قبيل الزواج محرّمة، ومن المفضّل أن يتمّ الزواج في سنّ مبكرة لانجاب البنين. يرفض "الآميش" كل ما يدّل على مظاهر التكبّر والتشاوف والطمع، ويركّزون على تربية الاطفال على قيمالتسامح والقناعة والتواضع.
باختصار، نعم هناك من يعيش حياة على هذا الكوكب تماماً مثل الشّعب اللبناني، أو أقلّه هذه لمحة عمّا ينتظرنا قريباً عندما سنُصبح مُكرهين طائفة واحدة فقيرة مُنعزلة عن العالم والتطّور، بدلاً من 18 طائفة مُتناحرة وعشرات الاحزاب والتيارات والتجمّعات التي لم تستطع حتّى الآن أن تضرب ضربة قاضية في وجه كلّ من أوصلنا الى جهنّم. المفارقة الوحيدة هي أنّ "الآميش" إختاروا بأنفسهم هذه الحياة رغم أنّهم يعيشون في أكثر البلدان تطوّراً وانفتاحاً، أمّا نحن، فنسيرُ "دَفِشِ" كالقطيع نحو مصيرنا الاسود، وقد اقترب موعد الوصول...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك