يكبر الرهان اللبناني على المتغيرات السورية السريعة، بقدر ما تكثر المخاوف من ارتداد أي ضربة خارجية على سوريا على جارها، نظراً إلى حالة الاهتراء التي يعانيها
يشتدّ التصاق الوضع اللبناني بالأحداث السورية يوماً بعد آخر، في ضوء الاحتمالات المطروحة، دولياً وإقليمياً، والسيناريوات المتعلقة بمصير نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
فالثورة السورية تحوّلت إلى ثورة مسلحة، بعد مضي أحد عشر شهراً على اندلاعها، كان يكتفي خلالها المعارضون والثوار بـ«جمعات» التظاهر تحت شعارات وعناوين فاصلة. لكن بعد أشهر من التظاهرات التي تحولت دامية، سلك العنف طريقه، بأشكال حادة، ولأسباب متنوعة: منها العنف الذي يمارسه النظام، والانشقاقات العسكرية داخل صفوف الجيش، والتدخل الإقليمي الدولي في مدّ ثوار سوريا بما يحتاجونه لتوحيد صفوفهم والرد على الجيش ناراً بنار. ومع تكرس هذا التحوّل، بدأ دخول قوى متنوعة على خط النزاع المسلح؛ فمع الاعتراف بأهمية الحراك الشعبي السوري كحركة داخلية، إلا أن ذلك لم يمنع محاولة اطراف أخرى الافادة منه لحسابات مختلفة عن اهداف المعارضين السوريين الاوائل، وتنفيذاً لأفكار عقائدية أو أجندات سياسية مختلفة. وهو أمر سبق ان شهده العراق وافغانستان. في المقابل، لا يمكن إنكار ان الجيش السوري يسخّر كل مؤسساته المالية والامنية في معركة مصيرية مستفيداً، رغم كل محاولات النفي، من دعم دول صديقة وامداداتها، سواء لجهة السلاح، او لجهة تعزيز الخبرات في حرب شوارع ومناطق مفتوحة.
بعد نحو ستة أشهر على النزاع الداخلي، بدأت المعادلة المسلّحة تفرض نفسها، ليس على قاعدة توازن الرعب، بل لجهة تأكيد ثابتة أن الطرفين المتقاتلين لن يعودا الى الوراء، وأن اياً منهما لم يتمكّن من كسر الطرف الآخر عبر العلميات العسكرية التي تشتدّ وتيرتها من الجانبين. ومع الربط الاقليمي لكل الملفات المعلّقة في المنطقة مع الانتخابات الاميركية، بات محتوماً الحديث عن حل لسوريا عبر طريقين: الاول حل عسكري بضربة خارجية. وما النفي الديبلوماسي في الامم المتحدة للجوء الى حل عسكري على طريقة كوسوفو سوى تلويح بإمكان استخدام هذا النموذج، من اجل حسم سريع يخرج الأزمة السورية من المأزق الذي يفرض ايقاعه على الطرفين المتقاتلين.
اما الاتجاه الثاني، فهو استمرار الحرب الداخلية المفتوحة، وارتفاع وتيرتها الطائفية والمذهبية، في شكل ينشر الفوضى تصاعدياً، الى الحد الذي تتفلت فيه سوريا من كل الضوابط. وخشية اطراف لبنانيين مناهضين للنظام السوري من ان يكون الاخير يدفع اكثر في هذا الاتجاه، مستفيداً من الفترة التي تفصل واشنطن عن الانتخابات الرئاسية والتي ترتفع فيها محاذير اي ادارة اميركية قبل انتهاء ولايتها عادة عن اتخاذ قرار بمستوى الضربة العسكرية.
وبحسب اوساط لبنانية وثيقة الصلة بالاطراف الاقليميين الداخلين على خط الازمة السورية، فإن السباق اليوم ينحصر في محاولة تغليب عامل قوة المعارضة المسلحة وسحب عامل التفوق العسكري الذي يتمتع به النظام. ما يحتم، تبعاً لذلك، تزويد المعارضة بمضادات للطائرات ومضادات للدروع. وهذان السلاحان حيويان لتقليص فارق القوة ومنع النظام من التمتع بأرجحية قتالية. ولا تستبعد هذه الاوساط أن تلجأ القوى الاقليمية والدولية الى هذا الخيار اذا بدا متعذراً حسم الاوضاع العسكرية في شكل سريع. وهذا يعني ان المعارضة حينه ستنتقل إلى مرحلة جديدة من الصراع العسكري، وستكون في منأى عن قصف الطيران السوري، وستتمكن تبعاً لذلك من تأمين مناطقها العازلة من دون اي قرار اممي يفرض حظر الطيران السوري.
وبين هذين الحدّين، تدور الحوارات الإقليمية، من دون أن يبدي أي من المتصلين بعواصم القرار الاقليمية أي تفاؤل بإمكان نجاحها. فالجهات المطلعة على الحركة المصرية تتحدث عن فشل حتى الساعة في دفع ايران الى تبني خيار سحب يدها من دعم النظام السوري، بعد ايجاد قاعدة عمل مشتركة مع مصر والسعودية وتركيا، لتوفير حل اقليمي لسوريا بدل الذهاب الى «آخر الكيّ»، رغم الوعود التي اعطيت بالتعامل مع دور ايران على الساحة الاقليمية بما يتناسب مع قوتها.
وبين محاولات التسوية الإقليمية والحلول العسكرية، يرتد الوضع السوري على لبنان كما على غيره من دول الجوار السوري. لكن خطورة الوضع اللبناني أن الدولة في شكلها المهترئ، غارقة حتى العظم في تفاصيل الحياة السورية اليومية، وترتبط ايضاً حتى العظم بالتأثيرات السورية، الى حد ان اللبنانيين باتوا مصنفين: إما أنهم حلفاء لسوريا، أو خصوم لها. والاهتراء الحاصل على صعيد ممارسة الحكم، لا يقاربه أي وضع مماثل، لا في الاردن ولا في تركيا، ولا حتى في العراق. من هنا يقف لبنان امام مفترق خطر ازاء لجوء العالم الغربي الى احتمال شن ضربة عسكرية على النظام مباشرة. وفي رأي سياسي مطّلع، فإن الضربة الخارجية للنظام السوري ستكون اشد خطورة على لبنان من اي دولة عربية اخرى، نظراً الى المفاعيل السورية الداخلية، التي سينتجها اسقاط الرئيس السوري، وقد تكون بمثابة إشعال فتيل التفجير في أرضية لبنانية حبلى اساساً بكل مسبّبات العنف الطائفي والمذهبي. أما ارتدادات الدفع في اتجاه الفوضى التصاعدية في سوريا، فتشمل لبنان كغيره من دول المنطقة؛ فالمصيبة ستكون جامعة وتتوزع شظاياها على كل دول الجوار، التي ستتساوى في تسرب الفوضى إلى ساحاتها. وتحدي كل دولة منها سيكون على قدر قدرتها على ضبط مفاعيل التسرب. وتعاطي لبنان حتى اليوم لا يبشر بكثير من الخير في قدرته على مواجهة أي من الاتجاهين على اختلاف مستوى خطورتهما.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك