كتب المحامي جيمي فرنسيس في موقع mtv:
عاد المشاهد اللبناني إلى متابعة الشاشة الصغيرة والأخبار العاجلة بعد قطع الطرقات واحتجاجات الثوار، في المناطق اللبنانيّة كافّةً كما كان يتابعها سابقًا في فترة ١٧ تشرين الأول عام ٢٠١٩ وما بعدها.
إلا أن المشهد مختلف بعض الشيء، ففي الماضي، انتفض الشعب ضد أحزاب التسوية الرئاسيّة، المشاركين في حكومة المحاصصة التي أسقطتها ثورة ١٧ تشرين. ثار ضد سياسة القمع ورغم المواجهات التي تعرّض لها من قبل القوى الأمنية كافة، افترش المواطنون الطرقات رغم كل التهديدات والوعود. لم تكن المطالب موحّدة يومها، ولم يكن هناك أيّ تنظيم أو لقاءات منتظمة بين المنتفضين، ورغم ذلك كلّه فقد قدّرت مشاركة المنتفضين بالشارع حوالي مليوني شخص في الأسابيع الأولى من انطلاقة الثورة.
اليوم، وبعد مرور حوالي السنة ونصف السنة على انطلاقة تلك الثورة، ورغم كلّ ما مرّت به، نرى المشهد مختلفًا. صحيح أنّ الطرقات مقطوعة، وأنّ بعض الأحزاب التي تحاول ركوب موجة الثورة بعد استقالتها من الحكومة تحت ضغط الثورة مشاركة فيها، وأنّ أغلبيّة ثوار لبنان على تواصل مع بعضهم وضمن تجمعات إما مناطقيّة إما تخصصيّة، والمطالب توحّدت إلى حدٍّ ما، وأنّ الجيش إلى جانب المتظاهرين السلميّين حتى ولو أقفلوا الطرقات، لنشعر أحيانًا وكأنّ هذه المرة الجيش سيتدخل ليسحب الثوار من منازلهم إلى الطرقات ولو بالقوّة، ورغم ذلك كلّه المشاركة دون التوقعات والآمال.
الانفجار الكبير آتٍ لا محال، لكن ماذا تغيّر؟
الشعب اللبناني يريد صورة واضحة، للتحرّك. الشعب اللبناني حذر وخائف من المستقبل بسبب معرفته الوثيقة، وتجربته الشخصية في الماضي، وهو تعب من التعبير عن غضبه. يريد "ترجمة غضبه".
الصورة أصبحت واضحة بعض الشيء لكن لا يكفي. هناك من يجب أن يطل على الشعب اللبناني ويرسم هذه الصورة المستقبليّة، فلا يكفي أن يضع البطريرك الماروني الأسس ويبشّر بالخلاص عبر مؤتمر دولي يساعد لبنان على الخروج من الوضع الذي وصلنا اليه، رغم شبه الإجماع على كلمته من قبل الثوار، ولو اختلف بعضهم على الهوية الدينية أم الوطنية التي تكلم من خلالها، ولكن لا يكفي.
خارطة طريق البطريرك حرّكت الشارع إلا أنها بحاجة للتفاصيل، من سيدخل في التفاصيل؟ ومن سيضع خارطة طريق من "الألف حتى الياء"؟ ما هي صفات واضع هذه الخطة؟ كم خارطة طريق يتحمّل الشارع؟ وما المراحل التي ستتطرق لها لكي يصدّق اللبناني بأن هناك أملاً، لكي يتأمل ويتشجّع فيقاوم ويصل الى مبتغاه.
انتفض الشعب وثار ضد الفساد المستشري منذ نهاية الحرب الأهلية حتى ١٧ تشرين الأول عام ٢٠١٩ وشاء القدر أن يكون جميع المسؤولين عن تلك الفترة، إضافة الى فاسدين جدد متكافلين متضامنين مع بعضهم في حكومة واحدة، بعد أن توّجوا اتّفاقهم بالتسوية الرئاسيّة التي كرّست معادلة مافيا - ميليشيا. مافيا تسرق وتحاصص وتغض النظر عن الميليشيا، وميليشيا تحمي المافيا بالسلاح وتغض النظر عن سرقاتها، وبالنتيجة كلّ من كان يقاتل السلطة قبل تاريخ بدء الثورة هو أهلٌ للمشاركة الحقيقية في متابعة حربه ضد هذه المنظومة، ووضع خارطة طريق واحدة يجتمع الثوار عليها، لأنّ تعاليم الوصاية السورية ما زالت تسري في لبنان، فمقولة "فرّق تسد" ما زالت تصلح وتعود بالخير على أهل المنظومة.
إن بقية الظروف سلميّة ودون مفاجآت ولم يقع المحظور، والله أعلم، فانتخابات نيابيّة في "موعدها"، تؤدّي إلى تغيير المعادلة السياسية وتخسر المنظومة الحالية الأكثرية النيابية التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، تفكّ قبضة حزب الله عن المؤسسات الدستورية والشرعية كافةً بدءًا من رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، رئاسة المجلس النيابي، وصولًا إلى حاكمية مصرف لبنان، إلى القوى الأمنية، وإلى القضاء...
تفكّ قبضة حزب الله وتعيده إلى حجمه كفريق لبناني بمستوى الأفرقاء الآخرين، قبل أن تعيده الى لبنان عبر إقرار الحياد النهائي للدولة اللبنانية، وجميعهم يطرحون مجتمعين موضوع السلاح المتفلت وغير الشرعي، كبداية لإطلاق مشروع بناء دولة حقيقية، عبر سد الثغرات الدستورية واعتماد نظام داخلي متطور، يكفل ويصون "قضية الوجود" لجميع المجتمعات التاريخيّة التي شكلت الكيان اللبناني، وتحفظ موارد كلّ منها لنفسها، والأجدى أن يكون نظام اللامركزية الموسعة التي قامت اللجان النيابية بدراسته والموافقة عليه من قبل جميع الكتل النيابية هو التطوّر الشعب تعب، ملّ، وهو خائف من الغد في ظل خيبة أمل لم يشهد لها مثيل من المنظومة الحاكمة، فكلّ ما يتمناه، وكل ما هو قادر على تحريك روح المقاومة والنضال فيه من جديد، هو تنظيم جديد، جبهة جديدة، تحاكي تطلعات الثوار، يشارك فيها أكبر عدد ممكن من الثوار والمنتفضين، المتلاقين على تلك الخارطة، خارطة الطريق "البكركاويّة"، خارطة الطريق الوطنيّة، ليبدأ النضال الحقيقي من أول استحقاق، ألا وهو الانتخابات النيابيّة المقبلة.
لا تسكتوا!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك